أنت هنا

قراءة كتاب مدارات الذاكرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدارات الذاكرة

مدارات الذاكرة

اختار فالح الطويل لسيرته عنوان "مدارات الذاكرة"، حيث تعمد الجمع بين الذاكرة الشخصية والسيرة ويبدأ سيرته بعام "الثلجة الكبيرة" سنة ولادة الكاتب عام 1934م، "مدارات الذاكرة" سيرة فالح الطويل الذاتية -وهو دبلوماسي أردني سابق، وعضو في مجلس الأعيان- يغطي الجزء ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

القمر في النافذة عاش معلم الزن ريوكان في كوخ متواضع عند سفح الجبل· وفي إحدى الأمسيات دخل الكوخ لص، فوجد المكان خاليا من أي شيء ذي قيمة· وبينما هو خارج من الباب، أمسك به ريو كان الذي وصل لتوه من الخارج فقال له
- لقد أتعبت نفسك في الوصول إلى هذا الكان النائي لتجده فارغا· يعز علي أن أتركك تذهب خالي الوفاض· إليك ثوبي هدية·
تسمر اللص في مكانه ذاهلا بينما كان ريوكان يخلع ثوبه ويقدمه إليه· وفي غمرة ارتباكه، أخذ الثوب وولى هاربا·
جلس ريوكان عاريا تقريبا قبالة النافذة يرقب القمر الذي توسطها، ثم هز رأسه بأسف قائلا:
- كم وددت لو أعطيته هذا القمر الجميل
(من قصص الزن)
لكنني أستطيع أن أهدي القمر
فأهديه
وأهدي كتابي هذا لأحبتي زوجتي وأولادي
وكذلك
لكل الأصدقاء الذين أهدوني أثوابهم
فجعلوا هذا الكتاب ممكنا
ولدت، كما قيل لي، قبل سنة الثلجة الكبيرة بعامين· كان الناس يؤرخون بالأحداث الكبيرة، وربما هم لازالوا يفعلون حتى اليوم· كل ما كان قبل الحدث ينتسب للماضي يستوي فيه البعد والقرب- فكلاهما منسي على أية حال- وكل ما بعده ينظر إليه كذلك، اللهم إلا إذا حدث حادث آخر، فيبدءون بهذا·
أمي هي الوحيدة التي كانت تعرف تاريخ اليوم والشهر· وتبين فيما بعد أن التاريخ الذي أعطته ليوم ميلادي هو نفسه المسجل في وزارة الصحة· وقع ذلك في 5 1 رمضان، المصادف ليوم الانقلاب الشتوي لسنة 4 3 9 1 · كانت سنة قحط· عبثا حرث الناس وزرعوا· حتى لقد قيل أن كثيرا من الناس كانوا يبحثون عن عمل في الصيف التالي وأن الأجرة كانت رغيفا واحدا من الخبز·
وقد تبين بأن السبب الوحيد الذي كان وراء قرار الطبيعة في أن تكون تلك السنة سنة قحط هو أنني ولدت فيها· تنبه الكبار لذلك على نحو مفاجئ· كانوا يقولون، عندما أخطئ، كأن أضرب ولدا، أو ألا أطيع أحدا عندما يأمرني، بأنني ولدت في سنة القحط·
صرت رمزا للشؤم· كل الأطفال الذين ولدوا تلك السنة كانوا رمزا للشؤم· المشكلة أن أحدا من الذين أعرفهم من أقراني لم يولد تلك السنة· فقد كان قدرا علي أن احمل الرمز وحيدا·
لقد ساهمت أمي بنشر تلك المقولة· لا أعلم لماذا· لماذا تفعل أم لابنها مثل ما فعلت أمي؟ هل أرادت أن تبعد العين عني؟ هل كانت هناك أسباب أخرى؟ ربما!!
فقد كانت تعلن عن اعتقادها في كل مناسبة، أن الفقر وأهلها رفيقا درب لا يفترقان· تلك سنة العائلة منذ أيام عمر بن الخطاب، جدها الأول· ألم يمت الخليفة فقيرا؟ وكذلك كان أولاده وحتى حفيده عمر بن عبد العزيز؟ ليست تلك لعنة كما كانوا يقولون، بل نعمة في ثوب نقمة·
فالنعمان، وهم أخوالي، جبابرة لو اغتنوا· وفقرهم يجعلهم أقرب إلى الله· ولذلك فإن سنة القحط التي ولدت فيها إعلان لا يخطئ، كما كانت تفخر أمي، بأنني أنتسب لأخوالي أكثر مما أنتسب لأعمامي· وكان قرار جدي بتسجيل اسمي واسم أخي على جلد الغزال الذي يحتفظون به سجلا للعائلة بمثابة اعتراف بتلك الحقيقة·
قال لي أحدهم يوما بأن ذلك لم يكن صحيحا· فنحن، أنا وأخي، لسنا في سجل العائلة· ربما أن أمي سمعت أهلها يتداولون في الأمر فيما بينهم تكريما لها، فقد كان جدي يحبها، فظنت بأن الأمر قد انتهى على هذا الشكل· وفيما بعد وعندما كانت تفاخر بأن ولديها مسجلان في عداد أحفاد عمر بن الخطاب لم يعترض أحد، فبقيت على اعتقادها·
ولو سألها أحد عن سر تلك اللعنة أو النقمة، فإنها كانت تجيب بأن ذلك السر لا يعرفه إلا الله· ويدل التاريخ الذي كان يقرأه لها أخوها أنه لم يكن هناك استثناء واحد لهذه القاعدة·
وعلى هذا فقد كان مقدرا لي أن أكون فقيرا· ليس ذلك فقط، بل قيل، اعتمادا على هذه الحقيقة وحقائق أخرى، أنني لو وردت البحر لوجدته ناشفا·
لا أذكر متى سمعت ذلك أول مرة· غير أنني فيما بعد كنت أخشى أن يطلب أحدهم مني ماء، فلا أجد ماء، وكنت أرفض تلبية هذا الطلب ما استطعت·
كان الرواشدة من سكان قرية الشجرة قد جلوا في حكما عند أهلي لحمايتهم من ثأر لشخص قتلوه· درج الناس في أغلبهم أن يجلو عندنا لأن حكما قرية محصنة· فقد بنيت من الحجر في خمسة تجمعات، أقيمت أربعة منها حول مقورة·
والمقورة حفرة دائرية واسعة نُحتت عميقا داخل الصخر وهي تتصل مع المقورات في المجمعات الثلاثة الأخرى بدهاليز واسعة وعالية تجري على أطرافها مياه إما من بئر محفورة لهذا الغرض أو من بئر بعيدة كجزء من نظام ري قديم· لكن أحدا لا يذكر أن مياها كانت تجري في تلك الخنادق العميقة· فبقيت هذه ممرات يلجأ إليها الناس في حالة الخطر، أو أمكنة يكتشفها الأطفال·
 

الصفحات