أنت هنا

قراءة كتاب التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

شغلت المدارس النفسية وعلم الاجتماع للإجابة على أسئلة المؤسسات والمنشآت الصناعية حول الوسائل التي يمكن أن توزع من سوية العامل أثناء تأديته عمله ومستوى انسجامه مع المجتمع على اعتبار أن ذلك يشكل ركيزه أساسية في استقراره واستمرارية تمثله.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 8

غير أن هذا الرأي سرعان ما ظهر خطؤه تدريجاً. فالطاقة الإنسانية لا يمكن أن يستعاض عنها جميعها بطاقة الآلات. والإنسان لا يزال هو الذي يدير الآلة ويشرف عليها ويوقفها ويصلحها، وهي لا تستطيع أن تعده عن العمل فتأخذ كل مكان فيه، بل الأمر بالعكس فقد أصبحت الآلة تتطلب من العامل قدرات ومهارات وصفات من طراز أدق وأرقى. فمن طلب زيادة من الإنتاج فعليه ألا يغفل عن أثر العنصر الإنساني حتى في عصر الآلة والاتمته.
فردريك تايلور taylor
لم يبدأ الباحثون بتطبيق علم النفس التجريبي على مشاكل العمل والصناعة والإنتاج قبل بدء القرن العشرين. وكان أقدم خبراء علم النفس الصناعي، المهندس الأمريكي "تايلور" 1856- 1915مؤسس علم الادارة الحديث. فقد كان أول من وجه الأنظار- بصورة علمية تجريبية- إلى العنصر الإنساني كعامل رئيسي في الإنتاج. . غير إن اهتمامه بالعامل كان لسوء الطالع اهتماماً أساء إليه وإلى علم النفس.
كان تايلور يلاحظ أثناء عمله بالشركات والمصانع أن الطرق التي يتبعها العمال والصناع في أداء أعمالهم طرق عقيمة في أغلب الأحوال مما يسفر عنها خسارة وتبذير في الأموال. وكان المعتقد في زمنه أن الخبرة والمران كفيلان أن يستطيع العامل من تلقاء نفسه ابتداع الطرق المثمرة والحركات المفيدة اللازمة لعمله، بل كفيلان بإزالة الحركات الطائشة والدخيلة والضارة بالعمل تدريجاً غير أن تايلور لم يأخذ بهذا الرأي، أي بقدرة العامل على أن يقع بنفسه على أفضل طريقة لعمله: صحيح أن هناك حالات تشذ عن هذه القاعدة، لكنه من الحمق أن تترك هذا الأمر للمصادفة، فندع العامل حتى يجد بذكائه وجهوده الخاصة أحسن طريقة لعمله.
لذا أخذ تايلور ينصح بعمل دراسة دقيقة منظمة للعمل الصناعي في كل مرحلة من مراحله- سواء كان هذا عامل بناء أو نجاراً أو خراطاً أو ميكانيكياً أو كاتباً على المكاتب، دراسة تتناول كل مرحلة بالملاحظة والتحليل والتجريب وتحليل العمل إلى حركاته وعملياته الأولية التي لا يمكن تحليلها إلى أبسط منها، ثم استبعاد الحركات الزائدة والطائشة ثم تقدير الزمن اللازم لكل حركة من الحركات الضرورية تقديراً دقيقاً، ثم التأليف بين الحركات الأولية الضرورية في مجموعات تكوّن أنسب طريقة وأسرعها لأداء العمل، تكون "الطريقة المثلى الوحيدة" التي يجب أن يتبعها كل عامل في أداء العمل.
ولم تقف جهود تايلور عند دراسة الحركة والزمن على هذا النحو، بل كان يعنى أيضاً بدراسة الأدوات والعدد والمواد التي يستخدمها في عمله: وضعها وشكلها وترتيبها، حتى يسهل على العامل عمله، ويجنبه القيام بمجهود لا داعي له، فيزيد إنتاجه، ومن هذه الناحية يعتبر تايلور منشئ حركة "الهندسة البشرية" في ميدان علم النفس الصناعي.
ولقد وضع تايلور نظاماً لزيادة الكفاية الإنتاجية يقوم على دعائم ثلاث:
‌أ- ألا يختار من المتقدمين لعمل من الأعمال إلا أحسنهم وأكفأهم.
‌ب- ثم يقوم بتدريبهم بأن يفرض عليهم أداء العمل بالطريقة المثلى الوحيدة حتى يصلوا- إن استطاعوا- إلى مستوى الإنتاج النموذجي.
‌ج- ثم يلجأ بعد هذا الاختيار والتدريب إلى حفزهم على زيادة الإنتاج بمكافآت مالية.
ولكي يتحقق تايلور صدق دعواه أخذ يطبق نظامه على نطاق واسع منذ عام 1898. من ذلك أنه استأذن إحدى شركات الصلب الكبيرة بالولايات المتحدة في إجراء بحث فني على عملية شحن الحديد الخام وتفريغه، ووقع اختياره على قسم بالشركة يجري فيه تجربته. وكان بالقسم 75 عاملاً يقوم كل واحد منهم ينقل حوالي 5ر12 طناً من الحديد في اليوم، وهو إنتاج كان يبدو معقولاً في نظر مراقبي العمال وموظفي الشركة الاداريين، ولم يكن يدور بخلد أحدهم أنه من الممكن زيادته.
أخذ تايلور يلاحظ العمال ملاحظة دقيقة أثناء عملهم، حتى استقر به المطاف على عامل هولندي قوي البنية مفتول الذراعين، وجد فيه أنه ممن يحبون المال، كما تأمل فيه أنه ممن يطيعون ويصدعون إذا أمروا، فجاءه تايلور زيادة أجره إن عمل حسب ما يمليه عليه من تعليمات وأوامر لا يناقشها أو يجادل فيها. وقبل الرجل. فأخذ تايلور يجرب عليه كل ما استطاع من طرق لنقل الحديد في شحنه وتفريغه. فكان يكلفه باستخدام جاروف كبير تارة، وآخر صغير طوراً، وجاروف متوسط الحجم تارة أخرى. كان يكلفه نقل الحديد من المستودع إلى سيارة النقل دون توقف تارة، أو نقله على مراحل تارة أخرى. كان يطلب إليه أن يسير متى كلف بالسير، وبالوقوف متى أمر بالوقوف، وبرفع الحديد حين يطلب إليه ذلك وبإنزاله عند الأمر وهكذا حتى ظفر المهندس الأمريكي آخر الأمر بما كان يطمح إليه، وهو أفضل طريقة لأداء هذا العمل. فإذا بهذا العامل قد أصبح قادراً على أن ينقل في اليوم الواحد 5ر47 طناً من الحديد بدلاً من 5ر12 أي بزيادة في الكفاية الإنتاجية تساوي أربعة أمثالها.

الصفحات