أنت هنا

قراءة كتاب التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

شغلت المدارس النفسية وعلم الاجتماع للإجابة على أسئلة المؤسسات والمنشآت الصناعية حول الوسائل التي يمكن أن توزع من سوية العامل أثناء تأديته عمله ومستوى انسجامه مع المجتمع على اعتبار أن ذلك يشكل ركيزه أساسية في استقراره واستمرارية تمثله.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 9

وكم كان ابتهاج وفرح الشركة بهذا الفتح الجديد! فإذا بها تطبق نظام تايلور- الذي يقوم على الاختيار والتدريب- على جميع عمالها الذين يؤدون هذا العمل. غير أنها رأت أن أغلبيتهم الساحقة لا يستطيعون اللحاق بهذا العامل الهولندي العتيد في كفايته وسرعته، فكانت تطرد من عجز عن إدراك مستواه النموذجي. وهكذا استطاعت الشركة أن تخفض عدد عمال نقل الحديد من 500 إلى 140 عاملاً. نعم لقد زاد الأجر اليومي للعمال الباقين بمقدار 60% لكن الشركة استطاعت أن توفر حوالي 75000 دولار في السنة، فآمنت بنظام تايلور، وتبعتها في ذلك شركات كثيرة.
ومما هو جدير بالذكر أن تايلور كان يعيد عملية الاختيار كل عدة شهور أو عدة سنوات ليستبعد العمال الذي قل إنتاجهم من جراء ما أصابهم من تعب وإرهاق في أعقاب أعمالهم المضنية المفروضة.
لقد كان تايلور يرجو من نظامه هذا رفع مستوى معيشة العامل وتحسين صحته بالإضافة إلى زيادة إنتاجه. كان يرجو لفت الأنظار إلى أهمية العنصر الإنساني كعامل أساسي في عملية الإنتاج، لكنه في الواقع أهمل العامل، ولم يهتم إلا بالعمل يحلله تحليلاً دقيقاً. وقد جانبه التوفيق في أكثر من موضع.
لقد كان ظالماً حين جعل أقصى إنتاج لأكفأ عامل الإنتاج النموذجي الذي يجب أن يصل إليه جميع العمال على ما بينهم من فوارق في القدرة والقوة ودرجة الاحتمال، وإلا كان مصيرهم الطرد، في حين يقضي العدل أن يكون إنتاج العامل المتوسط هو الإنتاج النموذجي.
كما أنه كان يفرض على الجميع "طريقة مثلى واحدة"، وبهذا يعتبر العمال يتشابهون جميعاً في تكوينهم النفسي والجسمي وسرعتهم في العمل وقدرتهم على التعلم وإيقاعهم الطبيعي. صحيح أن هذه الطريقة قد تفلح مؤقتاً إن فرضت على العمال فرضاً صارماً، لكن مصيرها آخر الأمر إلى الفشل، إذ تكون ضريبتها عالية من صحة العامل وسعادته. فإن أجبر العمال عليها عن طريق المكافآت شعر العامل أنه مقيد معتقل أو أنه مستعبد، وكان مصيره إلى الانهيار.
وأي نظام إنساني ذلك الذي يسارع بارهاق العامل وإعيائه بعد أمد قصير لقاء دراهم معدودة ! فإن تعب العامل وانهار كان مصيره التسريح دون استغلال للمطرودين بتوجيههم إلى أعمال أخرى تلائمهم، ودون أن يكشف لهم عن الأسباب التي أدت إلى إخفاقهم وفشلهم. الحق إنه "اقتصاد" ينطوي على الظلم وعلى إجحاف باليد العاملة يدفع ثمنه المجتمع.
لقد أهمل العوامل النفسية التي تؤدي إلى تكيف العامل لعمله، كما أهمل الآثار النفسية التي تترتب على ما يفرضه على العامل من شروط صارمة وقيود، كما أغفل عن الفروق الفردية بين العمال كأن العامل يستطيع تكييف نفسه كما يريد فإن لم يفعل فالسبب هو كسله أو إهماله أو فتور همته أو تمرده أو سوء نيته.
ومع هذا فقط كان نظام "تايلور" فاتحة الطريق إلى حركات "الاختيار المهني" و "التدريب المهني" و "دراسة الحركة والزمن" كما أبرز للعيان ما بين الناس من فوارق في القدرة على العمل وعلى الاحتمال، وأماط اللثام عن الصلة الوثيقة التي تربط العامل بالعمل الذي يؤديه، وعن وجود عوامل نفسية وجسمية تهيمن على نشاط كل فرد، كما أظهر لرجال الصناعة الذين يريدون تشكيل "المادة الإنسانية" على أهوائهم أن لهذه المادة قوانينها الخاصة بها، وهي قوانين يجب أن يعرفها كل من أراد استثمار هذه المادة.
لكن العيوب العلمية الإنسانية لهذا النظام لم تلبث أن بدت للعيان. تلك العيوب التي أساء بها إلى علم النفس من حيث كان يهدف إلى الاستعانة به، والتي بثت الخوف والنقمة في نفوس العمال من نظام تايلور وغيره من النظم التي يبتدعها "علماء النفس" لتحسين طرق العمل. وهو خوف ونقمة لا نزال نلمس آثارهما إلى يومنا هذا.
وخلف من بعده تلاميذ له وغيرهم من الباحثين أضافوا إلى نظامه وتناولوه بالتهذيب والتصويب، وكان لهم اسهامات تطويرية كبيرة.
حركة القياس السيكولوجي
في مطلع القرن الماضي قفز علم نفس الفروق وثبات سريعة. فقد خرج الباحثان الفرنسيان ( binet )و( simon) بأول مقياس شامل لاختبار الذكاء في عام 1905. وهو اختبار يستطيع تقدير مستوى الذكاء منذ سن الطفولة إلى سن الرشد؛ ومنه يمكن تقدير الفروق الفردية في الذكاء بين طلاب الصف الواحد، أو عمال المصنع الواحد، أو جنود الكتيبة الواحدة. وسرعان ما ترجم هذا الاختبار إلى إلى عدة لغات وطبق في بلاد كثيرة. بل سرعان ما قام الجدل حول طبيعة الذكاء. أهو قدرة عامة واحدة وملكة مستقلة، أم هو مؤلف من عدة قدرات، وحتى إذا سلمنا أن الذكاء قدرة عامة واحدة، أفلا توجه إلى جانبه قدرات أخرى، وما هي هذه القدرات، وما الصلة بين بعضها وبعض، وكيف السبيل إلى قياسها.
لا شك أن الذكاء ضروري للنجاح في كثير من المهن، لكنه لا يكفي وحده للنجاح في أخرى. فقد يكون الفرد على درجة عالية من الذكاء لكنه لا يصلح أن يكون جراحاً ناجحاً، أو خراطاً أو نجار أثاث ناجح أو مشرفاً ناجحاً على العمال.
وقد أفاد علم النفس الصناعي الناشئ من حركة القياس هذه، خاصة في مسائل "المواءمة المهنية" التي تتضمن التوجيه المهني والتأهيل المهني والاختيار المهني والتدريب المهني.

الصفحات