أنت هنا

قراءة كتاب التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

التوجيه المهني في المؤسسات الصناعية

شغلت المدارس النفسية وعلم الاجتماع للإجابة على أسئلة المؤسسات والمنشآت الصناعية حول الوسائل التي يمكن أن توزع من سوية العامل أثناء تأديته عمله ومستوى انسجامه مع المجتمع على اعتبار أن ذلك يشكل ركيزه أساسية في استقراره واستمرارية تمثله.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 10

الحرب العالمية الأولى مرحلة حاصلة
وجاءت الحرب الأولى فأكدت للمرة الثانية أن المحرك الإنساني لا يمكن أن يعامل كالمحرك الآلي. فلكي تستغل قوة الإنسان إلى أقصى حد لابد من مراعاة العوامل الجسمية والنفسية التي تهيمن على نشاطه. من ذلك أن ساعات العمل قد زادت في بعض البلاد المتحاربة حتى بلغت 15 ساعة في اليوم بدوافع من وطنية العمال. لكن الإنتاج لم يزد بل قل إلى درجة أرعبت السلطات، كما زاد تغيب العمال من جراء المرض والتعب، وكثرت الحوادث، واكتظت المستشفيات بالمرضى. فهرعت السلطات إلى الأطباء وعلماء النفس وعلماء وظائف الأعضاء. وعقدت اللجان لدراسة هذه الكارثة، فأسفرت نتائجهم جميعاً عن أن هناك سوء استغلال للقوى الإنسانية بل إن تنظيم العمل نفسه كان يعاني من خلل لأنه لم يراع "العامل" الإنساني.
إن الناس ليسوا آلات. ومن ثم يستطيعون بقوة الإرادة مضاعفة جهودهم. غير أن هذا الإغراق في العمل لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير محدود. لا شك أن زيادة ساعات العمل اليومي- في حدود معينة- تزيد الإنتاج. فالعامل قد ينتج في ست ساعات أكثر ما ينتجه في خمس ساعات أو أربع. لكنه هل إذا عمل 11 أو 12 أو 15 ساعة في اليوم، ارتفع إنتاجه بنفس النسبة؟ لقد كانت هذه ناحية دعت إلى الدراسة والبحث، بل كانت إحدى نقط التحول الهامة في الصناعة وفي علم النفس.
ومما لفت نظر السلطات أيضاً أثناء الحرب كثرة حوادث الطيران الحربي التي كانت تعزى إلى "المصادفة" البحتة، فهب علماء النفس يدرسون هذه الظاهرة، وسرعان ما اكتشفوا أن مهنة الطيران تحتاج إلى استعدادات خاصة لم يكن يملكها أغلب من كانوا يتورطون في هذه الحوادث.
ثم دخلت الولايات المتحدة هذه الحرب في نهايتها عام 1917، ولم يكن لديها في ذلك الحين جيش فعملت على إنشائه. وفي عنفوان هذه الفورة الوطنية، أهيب بعلماء النفس أن يسهموا في هذا المجهود الضخم، مشكلة لجنة منهم عهد إليها فحص المجندين.
‌أ- لاستبعاد ضعاف العقول منهم ومن لا يؤهله ذكاؤه للخدمة في الجيش.
‌ب- توزيع الصالحين للخدمة على أسلحة الجيش المختلفة كل فرد على حسب ذكائه.
‌ج- تزويد كل فريق ببرنامج ملائم للتدريب العسكري.
فقام علماء النفس بصوغ مقياسين لاختبار الذكاء- أي يمكن إجراؤهما على عدد كبير من الأفراد في وقت واحد- أولهما لقياس ذكاء من يعرفون القراءة والكتابة والثاني للأميين. ثم طبق المقياسان على ما يقرب من مليون وسبعمائة ألف مجند قبل قبولهم بالجيش.
وإبان هذه الحرب نفسها استعانت القوات المسلحة الأمريكية بعلماء النفس مرة أخرى لاستبعاد وإعفاء من بلغت به الاضطرابات الانفعالية أو المرض النفسي درجة تجعله عاجزاً عن احتمال مشقات الحياة العسكرية. فاشترك فريق منهم مع أطباء نفسيين في وضع استفتاء يجري على المجندين فيعفى منهم من يخشى أن يصاب بانهيار نفسي إن التحق بخدمة الجيش وخوض المعارك.
وهكذا يمكن اعتبار هذه الحركة التي قامت بها القوات الأمريكية حركة رائدة في إرساء قواعد علم النفس الصناعي القت بظلالها على تطور هذا العلم.
المؤسسات الاقتصادية والمعاهد والجامعات
بالرغم من أن المقاييس السيكولوجية التي صاغها علماء النفس للقوات الأمريكية لم تكن على قدر كافٍ من الدقة والضبط بما نعهده في مقاييس اليوم، إلا أنها نجحت مع ذلك في أداء مهمة اختيار الجنود وتصنيفهم وتوجيههم إبان فترة الحرب، وقد كانت هذه التجربة وما سبقها من تجارب عانتها البلاد المتحاربة من العوامل التي جعلت علم النفس يفرض نفسه على شئون الإنتاج بعد ما اتضح أن مشكلة العمل، في المصنع وفي الجيش وفي غيرهما، لا يمكن أن تعالج على أنها فرع من الميكانيكا أو الهندسة، بل إنها تنطوي على عنصر نفسي لابد من مراعاته. فما أن وضعت الحرب أوزارها حتى بدأ كثير من المؤسسات الصناعية والتجارية وكليات الجامعات الأمريكية في أن يحذو حذو الجيش من حيث تطبيق مقاييس الذكاء في استبعاد المتقدمين غير الصالحين، وفي انتقاء أكفئهم، وكذلك في مسائل التعيين والترقية. وقد استعانت هذه المؤسسات بكثير من الخبراء الفنيين الذين كانوا يعملون في الجيش للقيام بهذه الأعمال.

الصفحات