أنت هنا

قراءة كتاب الولد المقاتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الولد المقاتل

الولد المقاتل

كتاب " الولد المقاتل " ، تأليف مزين عسيران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

لماذا الأولاد في النزاعات المسلّحة؟

أولاً، يُمكننا أن نسجّل أنه كلما كان استمرار النزاع مدة أطول كان احتمال «تجنيد» الأولاد أكبر. ويقود غياب اليد العاملة العائد إلى ارتفاع عدد الموتى والجرحى وتصعيد النزاع، إلى طلب متزايد مستميت على الدوام لتجنيد عناصر جديدة لتعزيز الصفوف. ولمّا لَمْ يكونوا موضوع بحث نوعي (لأنّهم على سبيل المثال يُنظر إليهم كجنود مطيعين) أمكن تجنيد الأولاد إمّا لأنَّ الإجراءات الرسميّة للتجنيد غير مُتَّبعة أو لأنهم لا يَحْمِلون بطاقات شخصيّة تُحَدِّد أعمارهم.

صغار، وكتومون، هؤلاء الغلمان سيندسُّون بين صفوف الأعداء. يُستبدلون على الخاطر وبإمكانهم أن يخدموا ككشّافة على الأراضي الملأى بالألغام، وبعد تمرين بدائِيّ، يَرتدون بزّة نظاميّة مَرفوعة الأكمام تكاد تكشف عن جسد في بداية البلوغ، ويوضعون في مواجهة الخصم. إنه في الأغلب ولد آخر. أولاد ـ مقاتلون يَشعرون بالخوف ويُخيفون، أولاد شرسون مع بُندقية هي رفيقهم الوحيد. مُجندون عنوة، ومتعصّبون لا بل ثملون أو مُخدّرون. أولاد ضحايا تحوّلوا إلى جلّادين.

التدريب الذي يتلقون يُمكن أن يراوح من أسبوع إلى عدّة أشهر. و«يكرس هذا التكوين من خلال إجراءات تلقينية (7) يفترض فيها تثبيت إخلاصهم للمجموعة وإزالة أي إحساس لديهم». لم يعد هؤلاء الأولاد يَلعبون: يَلبسون ثياب القتال، تُغطّي رؤوسهم قبّعات كبيرة جدّاً، مُسلَّحون «بكلاشينكوفات» ثقيلة للغاية. لقد تعلموا فن القتال، وما أن تعلموه فإنهم جاهزون لتطبيقه: الملاعب تتحول إلى ميادين قتال. فطيلة 17 عاماً، في لبنان، تناحر الكبار بصورة يومية. ثم راودتهم فكرة أن يزجّوا أولادهم في ألعابهم المُميتة، كما سيكون الحال في كل مكان في العالم: «أولاد إريتريا وأولاد كمبوديا أو أفغانستان. سر على الخطى أيها الصبي، سر، هناك دائماً جنّة لتُجنى. حينئذ يركضون كالإيرانيين الصغار الذين في أعمار العشر سنوات يندفعون إلى حقول الألغام العراقية ليفتحوا ممرّاً دامياً أمام آبائهم. حالهم حال هؤلاء الغلمان في بيروت، أو بعلبك أو جنوب لبنان. وُلدوا في الحرب ويموتون في الحرب» (8). إنَّ استخدام الأولاد المقاتلين المنذورين للموت، وحتّى في الصفوف الأولى على الأراضي الملغّمة خلال الحرب الإيرانيّة ـ العراقيّة على سبيل المثال هو أمر مُوثَّق.

فضلاً عن ذلك، يعرف رؤساء الميليشيات أن هؤلاء المراهقين يُمثّلون أفضل مُجنّديهم لأنهم يَملكون روح المُخاطرة، وموقف التّحدي إزاء الموت، ويَمتثلون للأوامر. ويتثبت غالباً هذا الميل لديهم من خلال تناول المخدّرات أو شرب الكحول التي يمكن أن يُجبروا على تَناولها. تماماً كما لخّصه «ضابط» من المتمردين الكونغوليين إلى صحافي من وكالة فرانس برس «يشكّل الأولاد مقاتلين جيّدين جدّاً لأنهم لا يخافون من شيء، إنهم يمتثلون للأوامر (9)، لا يطرحون أسئلة ولا يُفكرون في العودة إلى زوجاتهم أو عائلاتهم». وبفعل قامتهم ورشاقتهم يقوم الأولاد أحياناً بمهمات خاصّة محفوفة بالمخاطر. نسميهم الأولاد ـ المقاتلين « أولاد الموت أو أيضاً جذور الشرّ» (10).

في سيراليون، موسى الولد ـ المُقاتل الأسبق، ابن الـ 15 عاماً، يروي قصّته: «في عمرنا، الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة إلى المُتمرّدين. حينئذ يَستخدمون الوسائل الأكثر قساوة، كالمخدّرات أو المال، ليجتذبونا ويجعلونا نسير معهم... إنّي أتذكر الهجوم على مدينة نجولا ـ كمبويا، في جنوب سيراليون. لقد أيقظونا في الساعة الواحدة فجراً ومشينا حتّى الساعة السابعة. جاء طبيب يحمل قصعة من الماء البارد وحقنتين، نظّف الإبرة في الماء، ترافقه دائماً قارورة صغيرة فيها سائل أحمر. في البداية شَعرتُ باسترخاء دائم وفيما بعد أحسستُ بأني أملك طاقة غير محدودة، شعرت أني قادر على كلّ شيء... شعرت بالغضب وبالكراهية وأردت تحطيم كلّ شيء. لا يُمكنكم أن تفهموا، هم يضعوننا في حالة نَتلوّى فيها من الضحك أمام كلّ عنف، كنا نجد هذا مُثيراً، لم تكن لدينا حدود». ولكي يُنهوا عملية تعبئتنا كانوا يظهرون لنا الكثير من المال: «إذا قُمتم بما نطلبه منكم أنتم أيضاً ستحصلون على حقائب ملأى بالفلس. ستصبحون أحراراً، وستغدون الزعماء الجدد لهذا البلد». كنّا مُخدرين إلى درجة لم نكن نرغب فيها إلّا في شيء واحد: «تدمير كلّ شيء، هذا بالضبط ما يريده المتمرّدون» (11). وما يتبع هو كابوس متُكرّر. الهجوم على هذه القرية هو مماثل لهجومات أخرى. عنف ومجازر واغتصابات ومذابح وخطف.

وجب على الأولاد ـ المقاتلين وتحت تأثير المخدّرات، أن يُنفِّذوا كذلك أعمال قتل، وعنف واغتصاب جماعي، وتعذيب وفظاعات أخرى. هكذا في ليبيريا، زوّدت الجماعات المسلّحة (من الجبهة القوميّة الوطنيّة) صغار السنّ المراهقين بالخمر والمخدّرات بهدف السيطرة عليهم. قبل المعارك وكمكافأة يحصل الأولاد على الماريخوانا وعلى الكوكايين والأمفيتامين ومزيج من عصير القصب، وبارود المدافع والتي يُمكن أن تُحدث خللاً دماغيّاً خطيراً.

هذا ما كان يحصل في بيروت كذلك. السيناريو يتكرّر مع بعض التغييرات في إجراءات «تلقينية» (12). هنا «الفتية المقاتلون قد خضعوا لعملية تعبئة مذهبية قائمة على الكراهية والفظاعة والانتقام والتعصُّب عبر وسائل الإعلام وعبر الكتب والتّجمّعات السياسيّة والعظات الدّينيّة» (13).

من ناحية أخرى، والأمر هنا يتعلق بظاهرة خطيرة للغاية، فحتّى صانع الأسلحة بذل مجهوداً للتكيُّف كي يجعل الحرب ممكنة لتلك السواعد التي لا تزال هزيلة... فالتطوّرات التكنولوجيّة جعلت الأسلحة نصف ـ الأوتوماتيكيّة خفيفة بالقدر الكافي لكي يستعملها أولاد يبلغون من العمر 10سنوات وبسيطة بالقدر الكافي لفكّها وتركيبها من قبل ولد في مثل هذا العمر (14). وبضغطة واحدة على الزّناد بالإمكان أن تُطلق رشقات مُتواصلة من الرصاص. بالإضافة إلى ذلك فسعر هذه الأسلحة زهيد، إذ أمكن في بعض الدول المتحاربة، شراء بندقية رشّاشة Ak46 بعشرين دولاراً.

الصفحات