أنت هنا

قراءة كتاب الولد المقاتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الولد المقاتل

الولد المقاتل

كتاب " الولد المقاتل " ، تأليف مزين عسيران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

بالتّوازي، فإنّ الإلغاء التّدريجي لِمَا كان يعتبر بمثابة طقوس انتقال تضع حداً لكرب المراهقين وكذلك الصّعوبات المتزايدة في النقل بين الأجيال، تسببت بالنّتائج التي نعرف : محاولات الانتحار، والفرار من المنزل، والحَمْل قبل الأوان، وإدمان المخدّرات، الدخول في المجازفات، الخوض في معارك عنيفة، وحروب أهليّة، والفشـل المدرسي، إلخ. يُمكننا أن نَتساءل هل هذه التّجلّيات المُسمّاة عَرَضيّة (28) ليس من المُمكن اعتبارها بمثابة تدريبات ذاتيّة حيث أنّ المُبادرة لا يُمكن أن تُؤخذ إلّا من قبل هؤلاء الشّباب أنفسهم، أملاً في انتزاع الاعتراف بأنهم لم يعودوا أولاداً، بغياب أي عروض مقدمة إليهم من قبل الكبار؛ لأنّ المُراهق الذي يَتعجّل أن يصبح رجلاً بغية انتزاع الاعتراف بذكورته وأن يثبّت نفسه في ادّعائه وأن يَحكم بالصّواب على تمرّده الداخلي، هو بحاجة لأن يكون مُطمئناً ومُحاطاً وبخاصّة مُرافقاً من قبل الراشد في فترة عبوره (29) التي تتصف بكثير من القلق والعنف. وحينما لا يَكون الراشد جاهزاً أليس ذلك أنّ المُراهقة تمثّل من هذا المنظور المرآة المُضَخّمة لمخاوفه فيما يتعلّق بالمُستقبل: المُراهق «يفعلن ما يُفكّر فيه الراشدون (الوالدان) أو يُعبرون عنه وحتّى يخفوه ويكبتوه» (30). يُمكننا القول إنّ مشروع حياة الشاب يَتَحَضّر انطلاقاً من الإرث الوالدي، بشكل يتطابق أو يتناقض معه.

مع سقوط مخيال السلطة القضيبيّة المطلقة (31) للوالدين، سيُلفي المُراهق نفسه داخل تناقض وصراع داخلي إزاء أولئك الذين يتخذهم كنماذج للتقمص (التماهي)، وتحديداً الوالدين. من جهة، يُريد المُحافظة على التماهيات المُكتسبة للشخصيّة ومن جهة أخرى التخلّص من العلاقة مع أولئك الذين يتخذهم كنماذج لتلك التماهيات. من هذا الواقع، لكي يَتمايز عن ذلك الذي يُشكّل مركز انبناء ذاتي، بغية إعادة بناء نفسه، فإنّه يستدير نحو احتمالين آخرين. الأوّل يرتكز على حصد القيم المعياريّة، هنا حيث يكون محظوظاً بإيجادها، وأن يعتقد بها وأن يستبطن ما تُجسّده (المعبود البطل أو الأستاذ). الثاني هو بناء مشاريع على رمال ـ تنهار على الدوام ـ أو الانضمام إلى «أجهزة معتقدية». وسواء أكانت سياسيّة أم دينية أم ايديولوجية، فإنها تشكل على الدوام قناعاً للفراغ. إنّهم يُقَنّون (32) عند الاقتضاء العنف النزوي لأنه يُشكل الدعامة للبدء بوضع الاستيهام (33) والنزاعات النفسيّة لهذه الذات موضع التطبيق، لكنهم لا يستخدمونها لأجل غايات بنّاءة. هذا النمط هو ما نراه موضع التطبيق لدى الأولاد المقاتلين.

من إلغاء التماهي الوالدي إلى التماهي الراشدي

الوالدان هما بطبيعة الحال في قلب هذه العاصفة النّفسيّة التي تُثير المُراهق، والمواجهة معهم حتميّة بل ضروريّة: إنّها خاصّة كلّ عملية سلب للتماهي وذلك بسماحها للشخص بأن يجد هويّته الخاصّة.

أن يَتعرّف على ذاته، وأن يَتمايز عمّا شكّل مركزاً لبنيته النفسية، ذلك ما تنطوي عليه حركاته العُدوانيّة، ورفض من كان أقرب الناس إليه. وإنَّ حدّة هذا العنف هي على الدوام دلالة على صعوبة المُراهق أن يتخلّى عن إقامة علاقة انصهارية مع والديه. أما الأسباب فيمكن أن تكون كثيرة. يُمكن أن يَتعلق الأمر باستحالة مُغادرة «الولد الذي كنّاه» بغية عدم خسارة حماية الوالدين، أو «استحالة الاعتداء عليهما، حتّى ولو فكريّاً ... لأنّهما يتبدّيان أحياناً وبحقّ ضعيفين جدّاً لا يتحمّلان هذا الاعتداء ... أو كمن كانت قيمتهما الاجتماعية منتقصة في الواقع الاجتماعي لكي لا تعود فعلنة الحط من القيمة والمتصل بعملية إلغاء المثلنة النفسية، أمراً جائزاً» (34). إنّها حالة عدد من المُراهقين المتحدّرين من عائلات محرومة اجتماعيّاً. في الأغلب، يُحَوّل الشاب حينئذٍ المعارضة المستحيلة إزاء الأهل نحو مُمثّلي السّلطة والنّجاح الاجتماعي.

مع ذلك، مهما كانت مُصادفات التّاريخ الفردي والعائلي للشابّ، كأن يُوجد في بلد في حالة سلم أو في حالة حرب، هذا الإلغاء للتماهي يُلازم البحث عن راشدين آخرين غير الوالدين، الذين من المُمكن التماهي معهم واتخاذهم كنماذج. يروقني هنا أن أُبيّن دور الأستاذ والمعبود، مع التركيز على هذا الأخير أكثر، لأنّه يتصل اتصالاً وثيقاً بعملي.

الصفحات