أنت هنا

قراءة كتاب الولد المقاتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الولد المقاتل

الولد المقاتل

كتاب " الولد المقاتل " ، تأليف مزين عسيران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

لاعبو حرب قررها الكبار

إنّه لمرعب أن نعاين في فجر القرن الواحد والعشرين، أن يكون الراشدون راغبين في أن يقوم الأولاد بالحرب نيابة عنهم. إنّهم «يعدّونهم» للحرب من خلال الانغماس في الفظائع إلى أقصى حدود. الدم والعنف، والجرائم مُقزّزة، كل ذلك ليتعلّموا أن يتغلبوا على الخوف... أبطال هذه التجنيدات الإجباريّة أو «الإراديّة»، هم أفراد الميليشيات وحركات التمرّد التي تستفيد من التشوش القضائي المُتعمد على ما يبدو من قبل عدد من الدّول. لكن، ما هو يقيني تماماً أن عدداً من الأولاد المقاتلين قد شُجّعوا ضمنياً من قبل أولياء أمورهم على مثل هذا الانخراط، متباهين بهم أمام مجموعتهم وأقرانهم.

يشعر المرء بأن هنالك رغبة في تدمير الذات المُراهقة وخنقها. حيث ينبغي ألّا ينفذ إلى مرتبة الرجال، و«الراشدين». إذ كيف يمكن فهم هذه الجريمة التي لا تَحمل اسماً؟ مع أنهم، سواء كانوا ودعاء وعاشوا حياة «عادية» أم أصبحوا قَتَلة، لا يُمكن للأولاد أن يتخلّصوا أبداً من مرحلة النضج الجسدي هذه: النموّ الذي يَحمل ختم البلوغ.

هذا التحوّل من حالة قديمة إلى حالة جديدة يتيح للمراهق منفذاً إلى الوظائف الجسديّة التي تفترض إعادة تملك نفسيّة لجسده المتحوّل.

إلا أنه لا بد له لكي يستعيد نفسه في هذه الهيئة الجديدة، أن يَبني شخصية جديدة في إطار مشروع حياة، وأن يُصبح مستقلاً، أي يُؤسس علاقاته مع الآخرين، بخاصة مع والديه، على أُسس أخرى، مما يحتّم المرور بفترة أزمة. إن فهم فترة العبور هذه، يعني الأخذ بعين الاعتبار خطوط القوّة التي من خلالها ينتظم هذا الاضطراب النفسي والجسدي رويداً رويداً. إنها عملية عبور من الطفولة إلى سن الرشد كما لفتت إليه ايفيلين كستمبرغ، «نقول غالباً وهذا خطأ إنَّ المُراهق هو في الوقت عينه ولد وراشد؛ في الحقيقة هو لم يَعُد ولداً، ولم يُصبح راشداً بعد. هذه الحركة المُزدوجة، إنكار الطفولة من جهة، والبحث عن حالة ثبات لراشد من جهة أخرى، هي التي تُشكّل الجوهر نفسه للـ "أزمة"، وللسيرورة النفسية ... التي يجتازها كلّ مراهق» (17).

وجراء ذلك، لا بد للراشد، حسب رأينا، من أن يكتفي بمرافقة يتطابق فيها مع الآخر، وببعض الدعم، في مواجهة التغيّرات المُستمرة والقطيعات المتعدّدة، والمُفارقات العديدة التي تحرك كل مراهق والتي سنسعى إلى إيضاحها في الصفحات الآتية. في المنازعات المُسلّحة، حينما يشترك المُراهق البالغ من العمر أقلّ من 18 سنة في الأعمال العدوانية، تراه في الـ «فعل» العابث الذي يقوم به، لا يملك هدفاً سوى تحقيق ذاته الخاصّة، أيّ أنّ الراشد يَضعه في نظام مُغلق ـ مَرَضيّ ـ هو نقيض الأنظمة المفتوحة التي تميّز الفعالية العادية.

وعليه تحديداً، يُمكننا أن نتساءل، هل إحدى خصوصيات الفعل لدى المراهق، لا تقوم ـ خلافاً للراشد ـ على الفقر في تعدد معاني أفعاله وعلى الطابع المُغلق في معظم الأحيان لأنظمة الفعل التي انخرط فيها. إن المراهق معرض بخاصّة في المجموعات المُسلّحة، لتنفيذ عمليات مُتقطّعة يعتاد خلالها على انعدام التجانس الأقصى في توظيف أنظمة أفعال مقفلة حيث إن السرعة في اللجوء إلى الفعل كانت تضعه في حال عجز عن التفكير بمنطق. من ناحية أخرى فإن التوتر النفسي الداخلي «المتواصل» الذي يَخضع له المُراهق في النزاعات المسلّحة يعرض إلى إخفاق كلي كلّ محاولة لتوظيف آليات ذهنيّة. هذا ما يترجم في الواقع من خلال حدوث عمليات انتقال فجائية إلى الفعل أو خلال حلقات من الالتباس أو فقدان الإدراك المرحلية. لقد روى الأولاد الذين أمكن لهم الهرب، وقد فقدوا الصواب جراء الضربات التي تلقوها والفظاعات التي أُرغموا على ارتكابها، فقالوا : «لا شيء بعد الآن يبدو واقعيّاً».

بعض الأولاد أمكن لهم الحديث عن هذا الانتقال نحو الجحيم، لكن الكثير منهم بقوا صامتين أمام تلك الصدمة الإبادية.

الصفحات