أنت هنا

قراءة كتاب وفي البدء كان الغزل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وفي البدء كان الغزل

وفي البدء كان الغزل

كتاب " وفي البدء كان الغزل " ، تأليف د. نزار دندش ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
"في البَدْء كان الكلمة"

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

سَكْرة الغزل

"في البَدْء كان الكلمة"

وبَعْدُ، كانت المحبَّةُ الَّتي أَوْحَتْ إلى الخالق الإبداعَ، وخَلْقَ الكونِ البَهِيِّ المَهيبِِ، والخليقةِ، أَشكالاً وألواناً...

ومن المحبَّة الشَّاملة تَفَرَّعَ الحُبّ، ومَرَّ الحُبّ على لسان إنسان، فكان الغَزَل. لذا يَصحُّ القولُ، أيضاً، "في البَدْءِ كان الغَزَل".

لكنَّ الغَزَل في الشّعر العربيّ القديم كان موضوعاً ثانويًّا، لا تُقَوَّم بهِ شاعريَّة شاعِر، وكان تقليديًّا لا أثَرَ فيه للإبداع إلَّا لُماماً، وظَلَّ كذلك حتَّى الثُّلُثِ الأوَّل من القرنِ العشرين حين خَصَّ سعيد عقل الغَزَل بديوان هو ديوان "رِنْدَلَى" الَّذي بَلَغ شهرة واسعة، وقَلَبَ المقاييس التقليديَّة السَّائدة، وأَتَى بمعانٍ وصُوَرٍ جديدة غيرِ الصُّور الَّتي كَرَّرتها أَلْسُنُ الشُّعراء واسْتَهْلَكَتْها منذ الجاهلية حتَّى القرن العشرين.

ويَطْلُع علينا، اليومَ، طُلُوعَ القَمَر على صِنَّين، اُبنُ الهرْملَ، وخِرِّيج جامعات روسيا، والأستاذ، حاليًّا، في الجامعة اللُّبنانيَّة، الدكتور نزار دَنْدَش، بديوان غزل، عنوانُه: "وفي البَدْءِ كان الغَزَل"، فأَجْمِلْ به عُنواناً، وديواناً. بِشَغَف قرأتُ هذا الكتاب، وكأنّي أمُرُّ في خميلة مُنَوَّعة الأشجار والأزهار، تُغَرِّد فيها الأطيارُ، وتتخطَّر أصنافُ الحسان، مُدِلاتٍ، غنِجات. مُعْظمُ الدِّيوان غَزَل، وهو يُنِمُّ عن عواطف صادقة ورهافة ذوق، ويُعْلن عن اُبن ثقافة، واُبن طبيعة رائعة هي طبيعة لبنان.

وأغلب الغَزَل في هذا الديوان عفيف رهيف، فالشَّاعر هُنا أَشْبَهُ بِفَراشة تَحُوم على الزَّهر، تَحُطُّ قليلاً، وتَشُمُّ الزَّهر بالعينين، وتلامِسُهُ بالشَّفتين، وتحمل على جَناحَيها بعض العبير، ثُمَّ تطير.

إنَّه الغَزَل المهذَّب الَّذي يحترم المرأة، ولا يَبْتَذلها، ويعظِّم الجمالَ ويُكْرِمُهُ. ولقد اخترت من هذا الديوان ما يقارِبُ المئة بيت من أجمل الشِّعر وأَرَقِّه. ومن هذه المختارات، قصيدة بعُنوان: "عِشْقٌ على الوَرَق"، بها شوق الشَّاعر العُذْري الشَّفَّاف الَّذي تَخالُه مجنون ليلى أو جميل بثينة، فحبيبته الشَّفَّافة طيف سراب، يقول فيها:

لي حُلْوةٌ عَوَّدتْ عَيْني على الأَرَقِ

بِها أَهيمُ، فأَهْواها على الوَرَقِ

أُقَبِّلُ الثَّغرَ مِنْ وَهْمِ السَّرابِ، وبي

شَوْقٌ لِأَجْعلَه غَيْماً على الشَّفَقِ

يُداعِبُ الجيدَ والنَّهدين لي قَلَمٌ

والقلبُ قد ذابَ مِنْ سُهْدٍ ومِنْ أَرَقِ

وَدِدْتُهُ قَلَمي لو ذاب أُغنيةً

تُزِيلُ عن وَجْهها أُكذُوبَة الغَسَقِ

أَسْهُو، فأَغْفُو إذا ما نالَها حُلُمي

حتَّى أُحِسَّ بأنِّي، العُمْرَ، لم أُفِقِ

تلك الشِّفاهُ الَّتي قد خايَلَتْ شَفَتي

إذْ خِلْتُني ذُقْتُها، يوماً، ولم أَذُقِ

وتَطْلُعُ علينا، بَعْدُ، "حُوريَّة"، كأَنَّها عَرُوس البحر، شفَّافة كالنُّور، أَخَّاذة كالسِّحر يَسْكر منها النَّظر، وتؤسَرُ بها الحَواسّ. هي الجَنَّة على الأرض، وهي قَدَر الشَّاعر ومُنْتَهى مُشْتهاه، فيَهْتِف لها لهيفًا:

كأنَّها النُّورُ، مَسْكُوباً على بَشَرِ

ولَمْسَةُ السِّحْرِ في فَتَّانةِ الصُّورِ

حُوريَّةٌ عَبَرَتْ أمْ نجمةٌ سَطَعَتْ

تختالُ في أَدَبٍ بادٍ على خَفَرِ

والوَرْدُ يَرْسُم بالأَلوانِ مَبْسِمَها

أَجْمِلْ بهِ الثَّغر في وهجٍ بهِ نَضِرِ

حُوريَّةٌ بَهَرَتْ، والآهة اُنْهَمَرَتْ

أَبصارُنا سَكِرت، يا رَوْعَةَ النَّظَرِ!

كيف السًّبيلُ لمَفْتُونٍ، وَرِقَّتُها

أَشْهى من الدِّفءِ في أُمْسيَّة المَطَرِ؟

الصفحات