أنت هنا

قراءة كتاب البنية السردية في شعر امرئ القيس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البنية السردية في شعر امرئ القيس

البنية السردية في شعر امرئ القيس

كتاب " البنية السردية في شعر امرئ القيس "، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 7

التمهيد

(1)

أتاحت المبادئ اللسانية التي أسس لها اللغوي السويسري دي سوسير تحولاً خطيراً لا على مستوى علم اللغة حسب ولكن على مستوى العلوم الإنسانية. ويمكن أن تُعَدَّ هذه المبادئ ثورةً معرفيةً، إذْ حولت المعرفة من البحث عن ماهية الشيء إلى البحث عن كيفية ترابط أجزائه وعملها مجتمعة ([6]) في ظل رؤية مزدوجة من الثنائيات التي تُشَكِّلُ مفاتيح لمعرفة طبيعة العلاقات المكوِّنة.

وقد أفادت الدراسات الأدبية من مبادئ سوسير، فتأسست عليها أغلب المناهج النقدية الحديثة ومنها البنيوية التي اتخذت من مبادئ سوسير خلفيةً منهجيةً لها.

ولعل أهم عمل قامت به البنيوية - من المنظور العام - هو أنها نظرت إلى العمل الأدبي بوصفه نظاماً متكاملاً غنياً عن أي سياقات خارجية.

ويختلف مفهوم البناء Construction عن مفهوم البنية Structure ([7]). فالبناء شاع في حِقبة الشكلانيين الروس، وهو يحـيل على مفـهوم الشكل. يقول تينيانوف: " إنَّ شكل الأثر الأدبي يجب أن يتم الإحساس به كشكلٍ ديناميكيٍّ. وتظهر هذه الديناميكية في مفهوم مبدأ البناء. فليس يوجد تعادل فيما بين مختلف مكوِّنات الكلمة، كما أن الشكل الديناميكي لا يتجلى نتيجة اجتماع تلك المكوِّنات أو اندماجها... ولكنْ نتيجة تفاعلها ".([8])

ويرى الشكلانيون الروس أنَّ التفاعل بين مكوِّنات العمل الأدبي يؤدي إلى ارتقاء مجموعةٍ من العوامل على حساب عوامل أخرى، مما يؤدي إلى بروز العامل المُرتقِي

أو المُهيمِن الذي يُحدِثُ تغييراً في بقية العوامل فتغدو تابعةً له.([9])

ويحمل مصطلح البناء في هذا البحث دلالة المستويات أو البِنَى التي يمكن للتحليل البنيوي أن يتعامل معها، فالبنيوية تنظر إلى العمل الأدبي بوصفه بنيةً كليةً هي محصلةٌ لمجموعةٍ من البِنَى، كالبنية: الإيقاعية، والصوتية، والتركيبية. والبحث يدرس النصوص في ثلاثة مستويات تتشكل فيها ثلاث بِنَى، هي: بنية الوظائف، وبينة الأفعال، وبنية السرد (الخطاب).

أمَّا مصطلح البِنْيَة فقد دلَّ في اللغات الأوروبية القديمـة على الشكل الذي يُشـيَّد به مبنى ما، ثم لم يلبثْ أن اتسع ليشـمل الطريقة التي تتكيف بها الأجزاء لتكوِّن كلاً ما ([10])

ولأن البنيوية تحرص على دراسة الظاهرة بمَـيْزِها من غيرها؛ فهي لا تهتم بالتعريفات الحدِّية، لذا فلم تقدم تعريفاً حدِّياً للبِنْيَة، مثلما لم يقدم سوسير تعريفاً حدِّياً للغة، واكتفى بتعريفه المفهوميّ الذي انبثق من موازنتها مع اللسان والكلام والكتابة.

وعلى الرغم من زئبقية مفهوم البِنْية وتأبِّيه على التحديد؛ برزت محاولات لتوصيـفه منطلقةً من مفهومات البنيوية وعلم النفس، فشتراوس يعرِّف البِنية بأنها " نموذج يقوم الباحث بتكوينه كفرضٍ للعمل انطلاقاً من الوقائع نفسها " ([11]) وجان بياجيه يرى أن البِنية تنشأ من ثلاثة أسسٍ هي: الشمول، والتحول، والتحكم الذاتي. فالسمات الثلاث تجعل الوحدة متميزةً مثل الإشارة مختلفة عما سواها، وهذا الاختلاف هو الذي يميزها.([12]) وهناك من عرَّفها على أنها تصورٌ تجريدي من خلق الذهن، وليست خاصيةً للشيء؛ فهي نموذج يقيمه المُحلِّل عقلياً ليفهم على ضوئه الشيء المدروس بطريقة أفضل وأوضح([13]).

ويحمل لفظ بناء أو بِنْية في المعاجم الُّلغوية العربية معنى المبنيّ، والجمع أبْنِـيَة. والبِناءُ: لزوم آخر الكلمة ضرباً واحداً من السكون أَو الحركة... وسموه بناءً لأَنه لمَّا لزم ضرباً واحداً فلم يتغير تغير الإعراب؛ سُمِّيَ بناءً من حيث كان البناء لازماً موضعاً لا يزول من مكان إلى غيره. ويقال بِنْيَة وهي مثل رِشْوة وكأن البِنْيَةَ الهيئةُ التي بُني عليها مثل المِشْية. وفلان صحيح البِنية أي الفطرة.([14])

ويتراءى مصطلح البنية في الأدب العربي القديم بمفهومه الذي لا يتعدى الشكل الخارجي للعمل، يقول ابن رشيق في باب حدِّ الشعر وبنيته: " البيت من الشعر كالبيت من الأبنية: قرارُه الطبع، وسُمكه الرواية، ودعائمُه العلم، وبابُه الدربة، وساكنُه المعنى، ولا خير في بيت غير مسكون، وصارت الأعاريض والقوافي كالموازين والأمثلة للأبنية، أو كالأواخي والأوتاد للأخبية ". ([15])

ولعل أقرب هذه المحاولات انسجاماً مع تعدد المجالات التي يدخل فيها هذا المفهوم؛ هو الذي ينظر إلى البنية على أنها " ترجمـةٌ لمجموعةٍ من العلاقات بين عناصـر مختلفة، أو عمليات أولية، على شرط أن يصل الباحث إلى تحديد خصائص المجموعة والعلاقات القائمة، من وجهة نظر معيَّنة ". ([16])

ويَكْمُن تميُّز هذا التعريف في أمرين: الأول: إنه وإن أعطى توصيفاً للبِنية؛ لا يتنافى مع تجريدها، فهي تظل رغم التعريف تصوراً من خلق الذهن، لأنه هو الذي يترجم العلاقات. والآخر: إنه جعل معرفة البِنية مرهوناً بمعرفة خصائص المجموعة وعلاقاتها.

الصفحات