أنت هنا

قراءة كتاب البنية السردية في شعر امرئ القيس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البنية السردية في شعر امرئ القيس

البنية السردية في شعر امرئ القيس

كتاب " البنية السردية في شعر امرئ القيس "، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 8

(2)

ومصطلح السرد – أيضاً- من المصطلحات المُشْكِلة، بسبب الاختلافات الكثيرة التي تنازعته. فالشكلانيون الروس وإن لم يُعْنَوا بتعريف السرد؛ فقد قدَّموا تصوراً مفهومياً عنه، تجلَّى في الدراسات التي قاموا بها في أوائل القرن. فقد فرَّق إيخنباوم 1918م في مقالٍ له بعنوان (كيف صيغ معطف غوغول) بين السرد الحكائي والسرد التمثيليّ، وهو ما اصطُلِح عليه فيما بعد بالسرد والعرض.([17]) في حين فرَّق توماشفسكي 1925م بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي، فالأول يتعلق بالمادة الخام للعمل، والآخر بالصياغة الفنية لِتَشَكُّلِ هذه المادة. كما فرَّق بين السرد الموضوعي والسرد الذاتي، ففي الأول يكون الكاتب مطَّلِعاً على كل شيء، وفي الثاني يبدو السرد من منظور الراوي.([18])

ويرى جنيت أننا إذا قبلنا تحديد السرد بوصفه عرْضاً لحدثٍ أو لمتواليةٍ من الأحداث حقيقيةً أو خياليةً بوساطة اللغة، وبصفة خاصة بوساطة لغةٍ مكتوبةٍ؛ فإنَّ الضَّرر الأساس لهذا التحديد الواضح والبسيط هو في انغلاقه وتقييده لنا داخل إطاره الواضح.([19])

وبهذا فهو لا يرى تحديدًا للسرد، لأن تحديده – كما يرى - يُلغي حدود اشتغال السرد وشروط كينونته، فأََنْ نُحَدِّد السرد بطريقةٍ وضعيةٍ؛ فإن هذا يعني التأكيد على فكرة أن السرد ينساب من تلقاء نفسه، وهو أمر يرى أنه خطير.

وتتوافق رؤية رولان بارت مع رؤية جنيت من حيث إنَّها لا تُعيِّن حدوداً لهذا المفهوم، فهو في نظره يتَّسع ليشمل الخطابات كافة، سواء أكانت أدبية أم غير أدبية. فالسرد تحتمله اللغة المنطوقة، شفوية أم مكتوبة. كما تحتمله الصورة، ثابتة أم متحركة. وكذا الحكاية، والأسطورة، والخرافة، والأقصوصة، والملحمـة، والتاريخ، واللوحة المرسومة، وفي النقش على الزجاج، وفي السينما، والخبر الصحفي. وهو حاضر في كل الأزمنة، وفي كل الأمكنة، وفي كل المجتمعات. فهو يبدأ من تاريخ البشرية، وهو موجود في كل مكان، تماماً كالحياة.([20])

وفي العربية تدور كلمة سرد حول معانٍ عدة منها: الاتساق، والتتابع، والموالاة، والنَّسْج، والسَّبْك. يقال فلان يَسْرُدُ الحديث سرداً إذا تابعه وتابع بين كلماته دون وقوف. والسرد اسم جامع للدروع وسائر الحِلَق. والسَّرْد: الثَّقْب. والمسرودة: الدرع المثقوبة. وقوله عز وجل: ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ ([21])؛ قيل: هو أَن لا يجعل المسمار غليظاً والثقْب دقيقاً فيَفْصِم الحِلَق، ولا يجعل المسمار دقيقاً والثقبَ واسعاً فيتقلقل أَو ينخلع أَو يتقصَّف، اجْعَلْه على القصد وقَدْرِ الحاجة ([22]). أما الاستخدام التراثي لهذا المصطلح فإنه يعني الإخبار عن الوقائع التاريخية، ويُحدَّد مجاله في المهارة البشرية في تزويق الكلام.([23])

ويبدو أن المنظور الشموليّ للسرد ليضمَّ الخطابات كافة - بحسب رؤية بارت - يصلح أن يكون إطاراً عاماً لهذا المفهوم في تجليه الحياتي، ولكنْ حين يتعلق الأمر بالخطاب اللغوي ملفوظاً أو مكتوباً؛ فإن تضييق مفهوم الخطاب سيقتضي تضييقاً لمفهوم السرد.

ولعل رؤية الدكتور سعيد يقطين تتواءم مع هذا المنحى، فهو يرى التمييز بين مصطلحين هما: الحكي والسرد. فالحكي هو تجلٍ خطابي، سواء وظَّف اللغة أم غيرها، ويتشكل هذا التجلي الخطابي من توالي الأحداث. ويرى أن الحكي متعدد الوسائط، وهو حين يحمـل مدلول الخطاب الحكائي؛ فإنه يقـدَّم لنا من خـلال السرد (Narration) أي إنَّ هناك راوياً يتكلف عبر السرد بإرسال الحكي، أو من خلال العرض (Representation) الذي يتولى تشخيص وتجسيد الحكي ([24]).

وتأسيساً على هذا التصور؛ يمكن التعامل مع السرد بوصفه تجلٍّ خطابي للحكي، وهو خاص بالملفوظ الذي يحتوي على راوٍ، ويتضمن أحداثاً. ويختلف السرد عن السردية التي تعني: " المبحث النقدي الذي يُعْنَى بمظاهر الخطاب السردي، أسلوباً وبناء ودلالة ". ([25])

الصفحات