أنت هنا

قراءة كتاب الاحتجاج بشعر امرئ القيس في النحو العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاحتجاج بشعر امرئ القيس في النحو العربي

الاحتجاج بشعر امرئ القيس في النحو العربي

كتاب " الاحتجاج بشعر امرئ القيس في النحو العربي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

تمهيد

الحمدُ للهِ المتفرِّدِ بصفاتِ الكمالِ والجلالِ، الحمدُ للهِ على ما أنعمَ وأجزلَ، والشُّكرُ الدَّائمُ على ما أولى وأفضلَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّ الهدى، وكهفِ التُّقى، وبحرِ النَّدى؛ صلاةً وسلاماً دائمين ما تعاقب اللَّيلُ والنَّهارُ. وبعد:

فالنُّحاةُ والعلماءُ، بدايةً، بنوا قواعدَهُم وأحكامَهُم التي تضبطُ اللُّغةَ العربيَّةَ وتصونُها من اللَّحنِ والتَّحريفِ على ثلاثةِ مصادرَ لا غيرُ، وهي: كلامُ الله، وحديثُ المصطفى، وكلامُ العربِ، ويتصدرُ كلامُ العربِ – الشِّعرُ – المقامَ الأوَّلَ في الاحتجاجِ والاستشهادِ والتَّقعيدِ.

فالشِّعْرُ: كلام ٌعربيٌّ موزونٌ مقفىً، يتمركزُ في بؤرةِ الفصاحةِ والبيانِ العربيِّ لا سيَّما الشِّعرُّ الجاهليُّ الذي يمتازُ بجودةِ الرَّصفِ، ودقةِ السَّبكِ، وجزالةِ التَّراكيبِ والألفاظِ، وعمقِ الصُّورِ والتَّشبيهاتِ؛ فهو أفصحُ ما تفوهتْ بِهِ العربُ قاطبةً، وأبلغُها وأبينُها، لذا يعدُّ ميداناً فسيحاً، ومورداً غزيراً للدَّرسِ النَّحويِّ واللُّغويِّ والأدبيِّ والنَّقديِّ.

أمَّا عن - محورِ الدِّراسةِ والبحثِ - فهو أشعرُ شعراءِ العربِ بِلا منازعٍ، قالَ الأصمعيُّ: "بل أوَّلُهم كلُّهُم في الجودةِ امرؤ القيس، له الحُظْوَةُ والسَّبقُ، وكلُّهُم أخذوا من قولِهِ، واتبعوا مذهبَهُ "([1]).

ولشعرِ امرئ القيسِ شأوٌ كبيرٌ ومنزلةٌ رفيعةٌ في الاحتجاجِ و بناءِ قواعدِ اللُّغةِ العربيَّةِ لوقوعِهِ تحتَ منظومةِ الاحتجاجِ التي حُدِدَتْ بمائةٍ وخمسينَ قبلَ الإسلامِ وبمثلِها بعدَهُ، فهو من شعراءِ الطَّبقةِ الأولى وأوَّلِهِم، وشعرُهُ من أغنى المصادرِ التي استقى منها النُّحاةُ قواعدَ اللُّغةِ العربيَّةِ، ومسائلَها الكليَّةَ والجزئيَّةَ، يقولُ يونسُ بنُ حبيبٍ: " إِنَّ علماءَ البصرةِ كانوا يقدِّمون امرأَ القيسِ ابنَ حجرٍ "([2]).

فلقدْ كانَ شعرُ امرئ القيس عيناً نابعةً، وسيلاً دفَّاقاً، بأبياتِ الشَّواهدِ النَّحويةِ، وقد عُنيَ بهذهِ الشَّواهدِ سيبويهِ، وجماعةٌ من النُّحاةِ الذين جاءوا بعدَهُ شرحاً وتوجيهاً وإعراباً وتقويماً، لتمثِّلَ هذه الشَّواهدُ الفصيحةُ ظاهرةً نحويةً مطَّردةً متبعةً في النُّصوصِ العربيةِ اللاحقةِ، وليكونَ النَّحو "انتحاءَ سمتِ كلامِ العربِ... ليلحقَ من ليسَ من أهلِ العربيةِ بأهلِها "([3]).

ففي كثيرٍ من المسائلِ والقواعدِ النَّحويةِ المستعملةِ أو الشَّاذةِ كانَ لأبياتِ الشَّواهدِ النَّحويةِ من شعرِ امرئ القيسِ دورٌ واضحٌ في بناءِ وإثباتِ هذهِ القواعدِ والقياسِ عليها في الاستعمالِ والأداءِ اللُّغويِّ الصَّحيحِ لأنماطِ الجملِ والتَّراكيبِ، والتي تصدَّرَ لها كتابُ سيبويهِ، والنُّحاةُ من بعدِهِ بالدَّرسِ والتَّحليلِ.

وقد بلغَتْ عِدَّةُ أبياتِ الشَّواهدِ النَّحويةِ لامرئ القيسِ الكندي التي اتَّفقَ النَّحويُّون على استقرائِها ما يزيدُ على مائةٍ وستين شاهداً نحوياً عالجتْ معظمَ مسائلِ النَّحوِ وقواعدِهِ المنضبطةِ في كتبِ النُّحاةِ، وقد ارتأيت أن أقسمَ هذه الدِّراسةَ إلى الفصولِ التَّاليةِ:

الفصلُ الأولُ: الشَّاهدُ النَّحويُّ والاحتجاجُ، فقد تناولَ هذا الفصلُ تعريفاً للشَّاهدِ النَّحويِّ لغةً واصطلاحاً مع بيانِ منزلةِ الشَّاهدِ في الدَّرسِ النَّحويِّ، كما وتعرضَ لقضيةِ الاحتجاجِ، وتعدُّدِ الرِّوايةِ وموقفِ العلماءِ والنُّحاةِ منها، وغيرَها من القضايا.

الفصلُ الثَّاني: المرفوعاتُ، فتناولَ بابَ المرفوعاتِ للمسائلِ النَّحويةِ التي تضمَّنتها الشَّواهدُ النَّحويةُ التي استخرجَها النُّحاةُ؛ لتكونَ فيما بعدُ قواعدَ وأصولاً مجرَّدةً في النَّحو العربيِّ فكانَ من المسائلِ المبثوثةِ في هذا الفصلِ: نائبُ الفاعلِ، والمبتدأُ والخبرُ، وحذفُ المبتدأِ والخبرِ، وكانَ وأخواتُها، وإنَّ وأخواتُها، وغيرُها.

الفصلُ الثَّالثُ: المنصوباتُ، وقدِ استغرقَ هذا الفصلُ مساحةً واسعةً من الدِّراسةِ؛ لكثرةِ الظَّواهرِ النَّحويةِ ومنها: التَّعدِّي واللُّزومُ، والنِّداءُ والتَّرخيمُ، والتَّنازعُ، والمفعولُ المطلقُ، والمفعولُ فيهِ، والحالُ، والتَّمييزُ، وسواها.

الفصلُ الرَّابعُ: المجروراتُ، فكانَ من مسائلِ هذا الفصلِ: حروفُ الجرِّ وأشهرُ معانيها، والتَّعلُّقُ، وحذفُ "رُبَّ"، وحروفُ الجرِّ الزَّائدةُ، والإضافةُ، وحذفُ المضافِ، والحملُ على الجِوارِ، وسواها.

الفصلُ الخامسُ: مسائلُ نحويةٌ متفرقةٌ، فعالجَ هذا الفصلُ المسائلَ النَّحويةَ المتعدِّدةَ التي لم تقعْ تحتَ الفصولِ السَّابقةِ، فكان من المسائلِ: الفعلُ المضارعُ المعربُ والمبنيُّ، وإضمارُ "أنْ" جوازاً ووجوباً، والجزمُ ب"أنْ" شذوذاً، وفعلُ الأمرِ، مخاطبةُ العربِ الواحدَ مخاطبةَ الاثنين، والاسمُ المُركَّبُ، وأفعالُ المدحِ والذَّمِّ "نِعْمَ وَبِئْسَ"، وعملُ المشتقاتِ "اسمُ الفاعلِ"، والنَّعتُ، والعطفُ، والبدلُ، وعطفُ الخبرِ على الإنشاءِ، وغيرُها منَ المسائلِ.

وقد اعتمدتْ هذهِ الدِّراسةُ على الكتبِ النَّحويةِ الأصولِ، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: كتابُ سيبويهِ ت: 180هـ، والمقتضبُ لأبي العباس المبرِّدِ ت: 286 هـ، والخصائصُ لابنِ جنِّيٍّ ت: 392هـ، وتحصيلُ عينِ الذَّهبِ للأعلمِ الشَّنْتَمَرِيِّ ت: 476هـ، والإنصافُ في مسائلِ الخِلافِ لابنِ الأنباري ت: 577 هـ، والمقربُ لابنِ عصفورٍ ت: 669هـ، وشرحُ التَّسهيلِ لابنِ مالكٍ الأندلسيِّ ت: 672هـ، والجنى الدَّاني للمراديِّ ت: 749هـ، ومغني اللبيبِ لابنِ هشامٍ الأنصاريِّ ت:761هـ، والمقاصدُ النَّحويةُ للعينيِّ ت: 855هـ، وهمعُ الهوامعِ للسَّيوطي ت: 911هـ، وخزانةُ الأدبِ للبغداديِّ ت: 1093هـ، وغيرُها.

وقدْ قامتْ هذهِ الدِّراسةُ على الوصفِ والتَّحليلِ والتَّوجيهِ الإعرابيِّ، وذكرِ الآراءِ والتَّخريجاتِ النَّحويةِ التي يلتمسُ فيها الجودةُ وإحكامُ الصَّنعةِ النَّحويةِ، حيثُ تتعرضُ الدِّراسةُ للشَّواهدِ النَّحوية في شعرِ امرئ القيسِ، وتستدلُّ على أصالةِ المسألةِ النَّحويةِ، وكثرةِ دورانِها بآراءِ العلماءِ والنُّحاةِ، وتوجيهاتِهِم القيَّمةِ، بإيجازٍ لا يخلُّ باستيفاءِ عناصرِ المسألةِ بعيداً عن الاستطرادِ.

وقدِ اعتمدتْ هذهِ الدِّراسةُ على ديوانِ امرئ القيسِ بشرحِ أبي سعيدٍ السُّكريِّ ت: 275هـ، تحقيق: محمد الشوابكة وأنور أبو سويلم؛ لاستقصاءِ الشَّاهدِ النَّحويِّ، واستبعادِ الذي لم يُثْبَتْ في الدَّيوانِ، ومقتصرِاً على دراسةِ وتحليلِ الشَّواهدِ التي ذكرَها النُّحاةُ، وأُثْبِتَتْ في الدِّيوان، وإنِ اختلفتِ الرِّوايةُ وتعدَّدتْ؛ لأنَّ تعدُّدَ الرِّوايةِ لا يسقطُ الاحتجاجَ والاستشهادَ بها.

وفي الختامِ أحمدُ اللهَ حمدَ الشَّاكرين أنْ يسَّرَ لي طريقَ العلمِ، وأسألُهُ أنْ يجعلَ هذا العملَ خالصاً لوجهِهِ وطريقاً إلى جنتِهِ، وأسألُهُ التَّوفيقَ والسَّدادَ، وسُبْحانَ مَنِ اختصَّ نفسَهُ بالكمالِ والإتقانِ، وجعلهما محرمينِ على غيرِهِ.

الصفحات