أنت هنا

قراءة كتاب المسرح والقضايا المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح والقضايا المعاصرة

المسرح والقضايا المعاصرة

كتاب " المسرح والقضايا المعاصرة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

الأدب المسرحي الرمزيوالقضايا المعاصرة

مع بداية العقد السابع من القرن التاسع عشر بدأت فرنسا بالتعرف على نزعة أدبية جديدة ثم فرضت نفسها كتيار فني متكامل عرف بالمذهب الرمزي حيث اخذ بالانتشار في أوربا مع أواخر القرن التاسع عشر.

والرمزية هي: (حركة أدبية ظهرت(...) كرد فعل ضد البرناسية التي كانت عبارة عن فن تصويري يرتبط بالواقع ارتباطاً وثيقاً ويقوم بعرضه عرضاً مباشراً في أشكال تجسيمية وذلك بهدف الربط بين الشعر والنحت، وبهدف الابتعاد عن العنصر الذاتي لدى الشاعر. أما الرمزيون فقد رفضوا مثل هذا النوع من الفن، ورأوا أن الشعر ينبغي أن يعبر عن الاختلاجات النفسية الدقيقة، وعن الانفعالات اللاشعورية العميقة التي هي اقرب إلى الدلالات اللغوية والنفسية، وأقوى وسائل الإيحاء)(1).

وانطـلاقا مـن مثاليـة (أفلاطـون)، فقـد أسهمـت الفلسفـات الحديثة المتعاقبة فـي ظهور الرمزية، وذلـك مـن خلال تأكيـدها البحـث عـن جوهر الحقيقـة، فجـاءت نظـرية عمـا نويـل كانـت (1724-1804م) المتعلقـة بعالـم المظاهـر وعالـم الماهيـات الخفيـة، ونظـرات (شوبنهاور) و (نيتشه) الغيبيـة، وإذا كان (كانت) قـد رفـض الوجـود الموضوعي الكامـل للعالـم الخارجي في حد ذاته، وتفسيره للظواهر الخارجية بوصف العالم الخارجي المحسوس لا وجود له منفصلا عن النفس البشرية، فإن محاولة هيجل (1770م-1831م) قد جاءت لتثبيت أسس فلسفيه اكثر منطقية وموضوعية، حيث أكد أن فهم العالم المادي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق فهم الذات، (وكانت هذه النظرات تشير بمجموعها إلى أن عالمنا الواقعي ما هو إلا انعكاس للعالم الغيبي الخفي الذي لا يمكن بلوغه عن طريق العقل بل بصورة تقريبية عن طريق الرمز الذي يصوغه حدس الفنان. ولهذا وقف الرمزيون ضد تصوير الطبيعيين للعالم من جهة وضد تصوير البرناسيين من جهة أخرى. وقالوا أن الفن لا يجب أن يلتفت إلى تصوير عالمنا المحسوس الذي نظروا إليه باستهانة واستخفاف على أنه عالم المظاهر، بل أنه يتجه إلى العالم العلوي المنبسط خارج حدود إمكانات وعينا الأرضي، عالم ما فوق الطبيعة)(2)، وبذلك فإن النظرة المثالية للرمزية تنطلق من إنكار حقائق الأشياء المحسوسة، والتي لا ترى فيها غير صور ترمز لتلك الحقائق المثالية البعيدة عن العالم الواقعي، وفي ضوء محدودية العقل الإنساني الواعي، يبرز دور اللاشعور في عملية إدراك تلك الحقائق المثالية، فاللاشعور قد يحدد سلوكنا وتصرفاتنا واليه يرجع الفضل في عمليتي الخلق والإبداع الفني.

ويؤكـد المختصـون أن أسـس النـزعة الرمزيـة قـد تبلـورت فـي الأعمـال الشعـرية الإبداعية لكل من (رامبو وفيرلين ومالارميه) خلال المدة الممتدة بين عامي (1871م-1873م)، وقد أكد (جان مورياس) ذلك حينما نشر رسالة في ملحق الفيغارو الأدبي عام 1886م، حيث عدت هذه الرسالة أول إعلان عن الرمزية، وقد جاءت رداً على مقالة (الشعراء المنحلون) النقدية التي كتبها (بول بورد) ليقدم بذلك صياغة للمنهجين الجمالي والفكري للمذهب الرمزي.

لقد أهمل (مورياس) في رسالته المحاولات الشعرية المتعددة التي كانت مزدهرة منذ بضع سنوات، واقترح مفهومهاً شعرياً يحل محل البرناسية، كما حلت هذه محل الرومانسية، وقد عد (بودلير) الرائد الحقيقي للمذهب، ووصف (مالارميه) بأنه من وهب الشعر معنى السر وما يفوق الوصف، بينما قام (فيرلين) بتحطيم قيود الشعر القاسية، ثم وازن (مورياس) بين الشعر الجديد، وبين طرق الشعر الداخلية، وأظهره عدواً للتعليم وللإلقاء وللحساسية الخاطئة وللوصف الموضوعي، فالشعر هو في خدمة الفكرة لا في خدمة الفكر، وهذه الفكرة ينبغي التعبير عنها بمشابهات خارجية فقط (3).

لقـد جـاءت نظـرة الرمزييـن السلبيـة للطبيعية والواقعيـة نابعـة مـن إيمـان أتباعهـا بأنهمـا تجعـلان العقـل الإنسانـي يصـاب بالبـلادة وذلـك نتيجـة لسهولـة فهمها، والرمزيون يؤكـدون دوما (بـأن المـؤلـف الفنـي الحـق يجب أن يخفـي وراء مضمونه المحدد شيئا أعمق بكثير، وهكذا أبدلوا الشخصية التي تعبر عن مظهر محدد واحد بالرمز الفني المشتمل على عدد من المعاني)(4) وذلك في محاولة للتعبير عن عالم مثالي يؤكد الحقيقة الجوهرية التي تختفي وراء العوارض المحسوسة متخذين من الإيحاء والتلميح لا من التقرير والتصريح لغة فنية للتعبير.

إن الرمزية في نظرتها للعالم المادي الذي نعيش فيه تنطلق من أنه صورة لعالم آخر يتمتع بقيم فضلى من الجمال والكمال، وخلف كل ما هو ظاهري شيء آخر مستتر، أما الأشكال التي نراها ونحسها فما هي إلا صفات خارجية للأفكار، وهذه الأفكار الجوهرية تمثل بالنسبة للرمزين روح الكون أو حقيقة العالم.

وقد أكد (فيرلين) أن الشعراء اتجهوا للرمزية نتيجة لضيقهم برتابة ما يسمى باللوحات (النتورالية) المشوهة، والكئيبة، وبرصانة البرناسيين وبرزانة (ليكونت دي ليل) المتشائمة، أما (اندرية بونيه) فيرى أن ظهور الرمزية في الأدب كان نتيجة للاعتراضات على الطبيعة الاستبدادية للمذهب الوضعي الذي يهتم بالظواهر والوقائع اليقينية ويهمل كل تفكير تجريدي في الأسباب المطلقة، أما الشاعر الروسي (بريوسوف) فأوضح أن الرمزيين رفضوا المنهج الإبداعي الخاص بالنزعة الطبيعية الذي حول الفن إلى انعكاس سطحي للحياة، وأكدوا أن العمل الفني يخفي وراء المضمون الظاهر مضمونا آخر أكثر عمقاً(5).

وفي ضوء اهتمام الرمزيين بكل ما هو ذاتي وباطني وابتعادهم عن تصوير الواقع، لعبت الرمزية دورا رجعيا كان له أثره على إبداعات الشعراء، (إن الطبيعة الرجعية للنظرية الرمزية التي صاغها رواد الرمزية لم تكن مفهومه لا من جانب رامبو الذي ظن أن الشاعر الرمزي هو وحده الذي سيكون ذلك المكافح الذي تعقد عليه الآمال من أجل مستقبل تسوده النزعة المادية، والعملاق الجبار الذي سيأخذ على عاتقه المسؤولية نيابة عن الإنسانية، ولا من جانب فيرلين الذي نظم إشعارا ثورية وحافظ على علاقات صداقة مع قادة الكومونة في المنفى(6). فقد انتقل (رامبو) إلى باريس للاشتراك في الثورة التي قامت بها الكومونة، حيث نظم فيها أفضل أشعاره وتغنى بأمجادها، كما تعرض (فيرلين) بسبب إيمانه بمبادئها إلى السجن والتشرد، وحينما فشلت تجربة كومونة باريس تعرضا إلى أزمة فكرية خانقة كان من نتائجها هو التوجه نحو النزعة الرمزية وذلك للتعبير عن خيبة أملهما وإحساسهما بتراجع وانهيار مقومات الكفاح الاجتماعي.

لقـد تغلغلت الرمزية فـي أعماق الشعراء والكتاب نتيجة لاحتوائها علـى أهـم عناصر الفـن الأساسية، حيـث جعلت مـن الفن إبداعاً خيالياً ونشاطاً خلاقـاً منفصلاً عـن الحيـاة الواقعية ويخضع لحدس مبدعـه، ولم تهمـل الرمزية كلا مـن الجانب الانفعالـي وجانب الصنعـة الفنيـة بـل دعت إلـى التكامـل فيما بينهمـا، مـع ضـرورة التعبير عنهمـا بواسطة اللغـة الشعريـة التلميحيـة، وإلـى جانـب ذاك طالـب الرمزيون بإدخال الموسيقى في الشعر، إذ (أن موسيقية القصيدة بالإضافة إلى انعدام الدقة والوضوح في معاني الكلمات ومراميها يجب أن تؤدي إلى تصورات غير محددة. وزاد في اتجاه الرمزيين إلى موسيقية الشعر تعرفهم على فلسفة شوبنهاور ونظرته إلى الموسيقى، وحاولوا الوصول إلى عالم الخوارق عن طريق تحويل الشاعر إلى أداة تعزف عليها القوى المجهولة الساكنة في عالم الغيب)(7).

الصفحات