أنت هنا

قراءة كتاب المسرح والقضايا المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح والقضايا المعاصرة

المسرح والقضايا المعاصرة

كتاب " المسرح والقضايا المعاصرة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

لقد رفض الرمزيون مبدأ محاكاة الطبيعة في أدبهم، ورفضوا الإيمان بأن ملكة الخيال هي الملكة الوحيدة التي تمكن الإنسان من إدراك الحقيقة، لاسيما وأن النظرة الرمزية قد ارتبطت في حقيقتها بعالم الماهيات الخفية، والمظاهر التي كانت تشير إلى أن عالمنا الواقعي ما هو إلا انعكاس للعالم الغيبي الخفي، ويؤكد نزوع الرمزيين نحو الغيبيات والمجهول والوصف ألحلمي الأسطوري حالة اهتمامهم بالحقيقة العميقة الشاملة التي تنقلهم نحو الحقيقة الأسمى متجاوزين بذلك الحقيقة الفردية الذاتية.

ويرى (اندريه جيـد): (أن الحقائق مختبئـة وراء الأشكـال الرمزية، وكـل موجود هـو رمز للحقيقة، وكـل مـا يقع تحـت الحس ويظهر إنما هـو رمز) فالعالـم إذن مادة وجوهر، والأشياء تختلف بحسب مظاهرها المادية، أما فـي الجوهر فإنها تتقارب وتتشابه، والأفكار الجوهرية لا تظهر أبدا فـي ذاتها منفردة، ولكنها تبدو لنـا فـي الخيوط الدقيقة الخفية التـي تربطها وتجمعها فـي انسجام رائع لتكتسب بذلك معنـى بالنسبـة للإنسان الـذي يستطيع تجاوز مظاهر العالم المتناثرة ولا يعدها سوى رموز لها مغزى عميق، وهذا الإنسان كما يرى (شارل موريس) هو الشاعر الذي (يتأمل الحياة ويفسر مغزاها بالجمال، وبمعانيها الرفيعة السامية وليس بظواهرها المباشرة)، فالجمال والمعنى عند الرمزيين ما هو إلا الانسجام الخفي والنظام الدقيق الذي يحكم روح العالم، فإذا توصل الشاعر إلى إدراك هذه الحقيقة عرف المكان الحقيقي للإنسان في الكون فهو (المركز) ولا حقيقة لهذا الكون إلا في ذات الإنسان، ولا وجود إلا بقدر ما تلتقي فيه ذاته بالجوهر(8).

لقد نادى الرمزيون بتحرير العالم الداخلي للإنسان الذي خنقته الحضارة المادية مدة طويلة وتحرير النفس بكل ما تزخر به من أحاسيس وانفعالات، واعتمدوا فلسفة الأحلام المرتبطة أساسا بفكرة جهل حقيقة العالم الذي يعد مجموعة حوادث دائمة الحركة والتطور ويكتنفها حالة اللاثبات، (لذلك يعتقدون أن أصح تعبير عن الحقيقة المتحركة المبهمة هو التعبير عنها بصورة متحركة تجمع بين الوضوح والخبرة، وتحوم حول الفكرة بشيء من الغموض، وقد يتخذ الأديب الرمزي رمزا واحدا لعدة أفكار، أو يتتبع نفس المعنى من خلال عدة رموز متشابكة، وفي تلك الرموز يخفي المفتاح ولا يقدم للقارئ سوى عبارات من تشابهية المختلفة ويترك بعد ذلك المجال لذهنه كي يستنبط المغزى بنفسه)(9).

وانطلاقـا مـن إيمان الرمزيين بأن الحقيقة الأبدية تكمن فـي دواتهم، فقـد أكدوا أهمية الخيال فـي اقتناص الصـور الرمزيـة وذلك للإيحـاء بالحالـة النفسيـة وبحقيقـة الواقـع فيمـا بينهـا وبيـن الطبيعـة الخارجيـة مـن انسجام أو تنافر ، لذلك فقد استخدموا لغة تعتمد المفارقة والتقابل والتضاد والصور والاستعارات الغريبة وتداعي الأصوات والمعاني مع جنوحهم نحو توظيف الأساطير القديمة وذلك لمعالجة بعض المشاكل الفلسفية.

وكان للرمزية تأثيرها على كثير من المذاهب والتيارات الأدبية والفنية ، إذ شكلت معظم التيارات التي ظهرت في فرنسا وخارجها تفرعات جديدة عن الرمزية، وتنمية لبعض مبادئها وتعميقا لخصائصها وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الفنان والواقع أو بين الذات والموضوع. وإذا كانت كل من الدادائية والتكعيبية مثلا قد أكدتا على استقلال الشاعر وحقه في التعبير عن الانطباعات بصفتها الحية، وعلى الإغراق في الذاتية وعدم الاهتمام بالمظاهر الخارجية للواقع ، فان التعبيرية هي الأخرى قد التقت مع الرمزية في رفضها للمظاهر الخارجية بوصفها لا تمثل الحقيقة، وإنما تسعى إلى التعبير عن الحقيقة الكامنة داخل النفس البشرية(10).

وقد تأثرت السريالية هي الأخرى بالمذهب الرمزي إذ سعت إلى التحلل من واقع الحياة الواعية واتجهت إلى تغليب واقع اللاوعي وذلك لأن ما فوق الواقع يعد في حقيقته واقعا آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعا، انه أقرب ما يكون إلى الأشكال الحلمية والفنتازية التي يكون مصدرها العقل الباطن.

والخاصية الأساسية المشتركة بين السريالية والرمزية هي العودة إلى النفس الإنسانية واللاوعي ولكن السريالية تؤمن بأن الفن ينبع من الفوضى، من اللامعقول ومن الأحلام، من المناطق البعيدة التي لا سيطرة للعقل عليها، لذلك هي تسير على طريق التحليل النفسي، وتداعي المعاني تداعيا حرا، ثم تسجيلها في الفن دون رقيب عقلي أو خلقي، ودون أصول أو قواعد، ومن ثم لم تهتم بخلق أسلوب خاص تتميز به، بينما الرمزية لا تستند في مفهومها إلى واقع نفسي فحسب، وإنما تستند إلى أسلوب متميز كوسيلة من وسائل التعبير، وذلك في مجال الخلق الأدبي والتعبير اللغوي على السواء، وكانت الرمزية تبحث دائما عن الحقيقي والدائم والجوهري سواء في تعبيرها عن الذات أو الكون والحياة، وهي تهفو دائما إلى ما هو اعم واشمل، وتنطلق من الذات لكن هدفها المطلق(11)، لتحلق بنا وراء الحدود المألوفة وذلك من خلال حالة المزج بين تجارب العقل الواعي وتجارب العقل الباطن، مما يؤدي إلى إسقاط القيم الجمالية والأخلاقية وذلك بالانتقال بالعمل الفني من المعلوم الواضح إلى الغامض المشوش، من خلال إتباع الأساليب الرمزية اللاشعورية في عملية رسم الأشياء كما تشاهد في عالم الرؤى والأحلام.

ونجد أثر الرمزية أشد مـا يكون وضوحا فـي مذهب اللامعقول ، حيـث يلتقـي معهـا فـي كثير مـن الخصائص أهمهـا : أن هـذا الاتجاه جزء مـن الصراع المتصل بين الذاتية والموضوعية ، والمعروف أن لا معقولية مسرح العبث كمـا تتجلى في مسرحيات (يوجين يونسكو) وغيره من أعلام المسرح الطليعي المعاصر تقوم أساسا على حقيقة أنها تعبر عن رؤى شخصية ذاتية مصدرها اللاوعي في أغلب الأحوال(12)، وبذلك فالرمزية تأثرت بتعاليم (فرويد) وظهر جليا التقاء اتجاه اللامعقول مع الرمزية في العكوف على الذات واستبطان العقل الباطن بوصفه تعبيرا عن رغبات الشاعر وأحلامه الذاتية وعن رغبات وأحلام الجنس البشري.

ويتشابه موقف أدباء اللامعقول من اللغة مع موقف الرمزيين ،وذلك بنزوعهم إلى الارتداد للأصول والينابيع الأولى للكلمة وطرح المعاني التقليدية للألفاظ ، فالعبثيون يعتقدون أن اللغة توقفت عن التعبير عما هو حسي وجوهري، وأصبحت تقليدية أكثر من اللازم فهي قناع يخفي الفكر والعاطفة، أكثر مما يفصح عنهما.

الصفحات