أنت هنا

قراءة كتاب المسرح والقضايا المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح والقضايا المعاصرة

المسرح والقضايا المعاصرة

كتاب " المسرح والقضايا المعاصرة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

إن الشخصية التعبيرية عرضة للتحولات المفاجئة التي تؤثر في حركة الحدث والصراع، وذلك بفعل تغير الزمان والمكان والسياق المنطقي للأحداث لإبراز حالة الإنسان المعاصر على حقيقتها، فقد جاءت المسرحية التعبيرية مكونة (من مجموعة مشاهد لا تأخذ الإطار التقليدي المتعارف عليه في الدراما)(6)، حيث يتحول البطل من مكان إلى مكان وتمتد الأحداث من زمان إلى آخر حيث نرى البيئة والواقع من وجهة نظر الشخصيات التعبيرية، وأصبحت تحل محل الحبكة المصنوعة بإتقان، مجموعة قصص الحياة المهلهلة التركيب، وسلسلة من المحطات والصور والمواقف الحياتيةالتي تمكن البطل من عرض أفكاره وتجربتيه الداخلية والخارجية، وهكذا فقد (نجد في المسرحية التعبيرية الواحدة انتقالاً فجائيا قد لا نعطي له أحيانا تفسيرا من الشعر إلى النثر، ومن الواقعية إلى الموضوعية، إلى ذروة المونولوج الذاتي، ومن حوار واقعي تقليدي إلى كلام مسرف في الإيجاز)(7) وقد تعبر من خلال الصرخات والتأوهات لتفجر بذلك معاناتها وآلام الروح بطريقة مبالغ فيها عله يسمعها الآخرون، فالشخصية التعبيرية جاءت لتعبر عن حالة من الاستلاب الإنساني، حيث ظهرت في كثير من المواقف مسلوبة الإرادة ولا تمتلك حرية القرار والرأي، (إن الكاتب التعبيري يضخم معاناة أبطاله ويبالغ في مواقفهم ويفجر كل إمكانياتهم الحسية والذهنية ويكسبها صفة الشمول بحيث يكون هذا البطل قادراً على قيادة مجموعة من الشباب، ويصبح المدافع عن أفكارهم وتصديهم لنقد المجتمع والمواقف المحافظة فيه من خلال طروحاته الفكرية التي كانت مطلباً شبابياً وشعبياً لذلك يسبغ الكاتب على شخصياته صفة التجريد)(8).

ففي مسرحية (فويسك) لبوشنر تتحكم الظروف بشخصية البطل (فويسك) وتجعله يمثل شخصية البطل الضحية، وذلك حينما يصبح فأراً يجري عليه الدكتور تجاربه بينما يمارس الضابط عليه سلطتيه العسكرية والسياسية، حيث يظهر مستلباً وممسوخاً كالدمية، أما فيما يخص شخصيتي الدكتور والضابط فقد جاءتا (اقرب شخصيات المسرحية إلى طبيعة الدمية، فكلاهما من طبقة اجتماعية منقرضة، يمثلان نظاماً اجتماعياً محكوماً بالزوال، وينطلقان من عقل أجوف، وأخلاق فاسدة، ونزعه علمية متحجرة. لقد صورهما (بوشنر) في صورة المسخ الكاريكاتوري وجمع فيهما كل طاقته الثورية في نقد المجتمع والعادات السائدة في عصره(9) فشخصية (فويسك) تعكس العجز الذي يشعر به الإنسان إزاء الاستلاب وعدم القدرة على التعبير ضمن قوانين اجتماعية ظالمة جعلته يصبح ضحية للأقدار التاريخية.

لقد جعل التعبيريون من حوار الشخصيات أداة لبناء شخصياتهم المسرحية، من خلال التعبير عن الحالات والمواقف المسرحية، وقد سيطر على هذه الحوارات الإيقاعات المستمدة من إيقاع العصر الآلي، وجاءت الشخصيات التعبيرية (مقتضبة يكثر فيها حذف أواخر الجمل (...)، لغة سريعة تلغرافية لا شيء فيها من البهارج والزخارف البلاغية (...)، بل يحسن أن تكون لغة دارجة في معظم الأحيان حتى تبتعد عن تعمل اللغة الرسمية التي لا يستعملها الناس في تفكيرهم الخاص وان يكثر فيها التكرار والجرس الغنائي، وان تكون ذات لهجة حماسية)(10) لأن هدف الشخصية التعبيرية هو نقد مشكلة معينة، وبالتالي يجب أن تأتي لغتها معبرة عن دواخل الشخصيات وأحاسيسها، ولها القدرة على التأثير في المتلقي.

وبفعل تأثير الطروحات الفلسفية وطروحات علم النفس، اتجه التعبيريون إلى بناء شخصياتهم المسرحية وحركتها بين الذاتي والموضوعي، (ولكي يكشف لنا الكتاب التعبير يون العالم الداخلي للشخصية فقد أحبوا استخدام تكنيك المناجاة والمونولوج حتى تستطيع الشخصية أن تعبر عما يجول بخاطرها)(11) وهذه التقنية تساعد على فضح الذات بالنسبة للبطل، وخروج الشخصية عن طبيعتها الاجتماعية في التعبير عن همومها ومعاناتها.

ويبرز دور الشخصيات الأخرى في عكس دواخل الشخصية الرئيسة، فهي أشبه ما تكون بالشخصيات المساعدة التي تعمل على تسهيل الحدث وتوضيحه وتعميق المعانتين الداخلية والخارجية للبطل (إما بمعارضتها لمواقفه وتجذير معاناته أو بالاتفاق معه ليتسنى له قيادتها نحو أهدافه)(12) بعيدا عن الخداع والأباطيل العاطفية، حيث تصور الشخصيات الوسط الاجتماعي والعواطف والأخلاق والأفكار عند طبقة اجتماعية بنوع من التجرد القائم على الدقة ورفض تزوير الحقائق.

إن معاناة الشخصية التعبيرية التي تتفجر نتيجة للقضية التي تؤرقها، هي التي تدفعها لاستصراخ ضمير العالم من خلال إطلاقها العنان لمشاعرها الحزينة معطية بذلك حالة أكثر دلالة وشمولاً، في الوقت الذي وجدت فيه الشخصية التعبيرية أن لغة الحوار أصبحت عقيمة ولا يمكن من خلالها التعبير عن حجم المعاناة الإنسانية تعبيراً مناسباً، فقد نجد الحوار عند التعبيريين (يفقد وظيفته الأساسية فيشيع في أعمالهم جو شاعري مسرف في شاعريته، وتجري على ألسنتهم لغة مجنحة متوهجة، ويصبح المونولوج هو المحرك الأول للوحات والمشاهد المتتابعة)(13) مما يسهم في مراجعة الذات والانطلاق بأسلوب متحرر يعبر عن تمرد تلك الشخصية على الواقع، وذلك من خلال اعتماد النبرة الحماسية التي تهتم بقوة التعبير.

إن الشخصية التعبيرية شخصية ثائرة في دواخلها، وهذه الثورة جاءت انعكاسا لإيمان التعبيريين القائم على رفض العالم الفاسد الشرير والبحث عن شكل أعلى للوجود، وقد تجسدت أزمتها لتتبلور ضمن نمطين رئيسيين، حيث سيطرت شخصية البطل في النمط الأول على مجريات المسرحية كافة إذ تشكلت هنا دراما (الأنا) التي تتطابق مع ذات المؤلف كما عند (سترندبرج)، بينما ظهر في النمط الثاني ظهورا واضحا، مواجهة البطل للواقع الاجتماعي الفاسد وسعيه إلى تغييره من خلال الثورة عليه كما في مسرحيات (أرنست توللر).

ويعد (أوغست سترندبرج)(14) من أول المبشرين بالتعبيرية في المسرح، وقد تأثر بالعوامل الذاتية والموضوعية الكامنة في رحم المذهب الرومانتيكي، ويوصف بأنه أكثر كاتب مسرحي على الإطلاق يكتب نفسه، وهذا يتضح من خلال مطابقة حياته مع مضامين نتاجه الأدبي، وقد أثرت الانقلابات الاجتماعية والفكرية والأسرية التي تعرض لها في فنه المسرحي، حيث ظهر موقفه واضحا من المرأة كونها أثرت في حياته، فقد (رأى سترندبرج المرأة في نشأته في أمه الوضيعة النسب والمسلك ومقرعتها وفي أخته الملتاثه تقرصه وتشد شعره، وفي جدته العجوز تلاحقه بالتوبيخ والمعيرة، ثم زوجة أبيه خادمة البيت السابقة التي طردت روح الطفولة منه، فاستنبط بحساسيته المفرطة وعقليته المشوشة أنها مخلوق تافه ولكنه وحش متسلط، وراح حياته يرد لها الصاع صاعين في أحاديثه وكتاباته)(15) لهذا فقد سيطرت قضية الصراع بين الجنسين في كتاباته التي هاجم من خلالها المرأة، وعمل على التقليل من شأنها كما في مسرحيتي (الأب) و (مس جوليا).

الصفحات