أنت هنا

قراءة كتاب عن الديموقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عن الديموقراطية

عن الديموقراطية

كتاب " عن الديموقراطية " ، تأليف روبرت أد.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

منطقة البحر المتوسط

نشأت في اليونان وروما القديمتين، أي حوالى العام 500 ق.م. أنظمة حكم تسمح بالمشاركة الشعبية التي يساهم فيها عدد كبير من المواطنين. نشأت هذه الأنظمة في البداية على أسسٍ هي من الصلابة بحيث تمكنت من الاستمرار عبر قرونٍ من الزمن.

اليونان: لم تكن اليونان القديمة بلداً بالمعنى المعروف في هذه الأيام، أي البلد الذي يعيش فيه سائر اليونانيين في دولة واحدة تحت نظام حكمٍ واحد. كانت اليونان، بدلاً من ذلك، مؤلفة من عدة مئاتٍ من المدن المستقلة بحيث تمتلك كل واحدةٍ منها ريفها الخاص المحيط بها. لكن بخلاف الولايات المتحدة، فرنسا، واليابان، ودولٍ حديثة أخرى وما سمّي الدول القومية، التي هيمنت غالباً على العالم الحديث، فإن الصيغة السائدة في الدول المستقلة في اليونان كانت المدينة - الدولة. كانت أثينا أشهر مدينة - دولة في الأزمنة القديمة وما بعدها. أما في العام 507 ق.م. فقد تبنّى الأثينيون نظاماً من الحكم الشعبي الذي استمر قرنين من الزمن تقريباً، أي إلى أن أُخضعت المدينة على يد مقدونيا، جارتها الشمالية القوية. (استمر نظام الحكم الأثيني في خضوعه للسيطرة المقدونية طوال عدة أجيالٍ إلى أن أُخضعت المدينة مجدداً على يد الرومان هذه المرة).

كان اليونانيون - وربما الأثينيون - هم الذين صاغوا عبارة الديمقراطية، أو demokratia، وهي المؤلفة من الكلمتين الإغريقيتين ديموس، أو الشعب، وكراتوس، أو حكم. لكن لا بد من الإشارة هنا بالمناسبة أنه بينما كانت كلمة ديموس في أثينا تشير عادةً إلى الشعب الأثيني بأسره، إلا أنها كانت في بعض الأحيان تشير إلى الأشخاص العاديين، أو حتى الفقراء منهم فقط. يبدو أن كلمة ديمقراطية كانت تُستخدم أحياناً من قِبَل منتقديها الأرستقراطيين على أنها نوعٌ من أنواع النعوت، ولإظهار الازدراء تجاه الناس العاديين الذين انتزعوا السيطرة التي كان الأرستقراطيون يتمتعون بها سابقاً على الحكم. يمكننا القول على أي حال إن كلمة ديمقراطيا democratia قد طبّقها الأثينيون والإغريق الآخرون تحديداً على نظام الحكم في أثينا، وعدة مدنٍ أخرى في اليونان كذلك[1].

يمكننا القول إن من بين الديمقراطيات الإغريقية كانت ديمقراطية أثينا هي الأهم إلى حدّ بعيد، والأكثر شهرةً في ذلك الوقت وفي هذه الأيام، وكانت ذات تأثيرٍ لا يُقارن في الفلسفة السياسية، وهي ديمقراطية صمدت فيما بعد بوصفها النموذج الرئيس لمشاركة المواطنين في الحكم، أو كما يحلو لبعضهم القول «الديمقراطية التشاركية».

كان نظام الحكم في أثينا معقداً، ومعقداً جداً بحيث يصعب وصفه هنا بشكلٍ كافٍ. كان هذا النظام في جوهره وأساسه مجلساً يحق لجميع المواطنين المشاركة فيه. كان المجلس ينتخب عدداً قليلاً من المسؤولين الأساسيين، وهم الذين أُطلق عليهم لقب جنرالات على سبيل المثال، وهو أمرٌ يبدو غريباً بالنسبة إلينا. لكن الطريقة الرئيسة التي اعتُمدت في انتخاب المواطنين الذين يشغلون مناصب عامة أخرى كانت عن طريق القرعة، وهي الطريقة التي تمنح المواطنين المؤهلين فرصاً متساوية لانتخابهم. كان المواطن العادي، بحسب بعض التقديرات، يمتلك فرصة مقبولة في حياته ليُنتخب عن طريق القرعة ليخدم بوصفه أهم مسؤولٍ رئيس في الحكومة.

إننا نعرف قدراً قليلاً من المعلومات عن هذه الأنظمة التمثيلية بالرغم من أن بعض المدن اليونانية شاركت في تأليف حكومات تمثيلية أولية لتنظيم تحالفاتها، واتحاداتها، وكونفدرالياتها (وعلى الخصوص لأغراض الدفاع المشترك). لم تترك هذه الأنظمة أي أثرٍ يُذكر في الأفكار والممارسات الديمقراطية، وبالتأكيد لم تترك أي أثرٍ في الصيَغ المستقبلية للديمقراطية التمثيلية. يُضاف إلى ذلك أن النظام الأثيني الذي يقضي بانتخاب مواطنين لشغل الوظائف العامة عن طريق القرعة لم يصبح بديلاً مقبولاً عن التصويت كطريقة لانتخاب الممثلين [أو النواب].

يمكننا القول، تبعاً لذلك إن الثوابت السياسية للديمقراطية اليونانية، بالرغم من كونها مبتكرة في زمانها إلا أنها لقيت التجاهل، أو حتى الرفض الفوري، في خلال تطور الديمقراطية التمثيلية الحديثة.

روما: ظهرت الحكومة الشعبية في شبه الجزيرة الإيطالية، وفي مدينة روما بالتحديد، في نحو وقت ظهورها ذاته في اليونان. لكن الرومان اختاروا مع ذلك أن يطلقوا على نظامهم اسم الجمهورية republic، وهي كلمة مشتقة من res التي تعني الشيء أو الشأن، ومن كلمة publicus التي تعني الجمهور، أي إن كلمة جمهورية تعني الشيء الذي يمتلكه الجمهور. (سأعود لاحقاً إلى هاتين الكلمتين، ديمقراطية وجمهورية).

كان حق المشاركة في إدارة الجمهورية محصوراً في البداية بالأرستقراطيين. لكن حدث تطورٌ سيواجهنا لاحقاً، وبعد كفاحٍ طويلٍ، تمكّن الناس العاديون (العامة) من الحصول على حق المشاركة في هذه الإدارة. وكما حدث في أثينا، فإن حق المشاركة في الحكم كان محصوراً بالرجال، الأمر الذي كان مماثلاً لكل الديمقراطيات والجمهوريات اللاحقة، وحتى في القرن العشرين.

تطورت الجمهورية الرومانية من بدايتها كمدينة بحجم متواضعٍ، وتوسعت عن طريق الضم والغزو إلى مساحاتٍ تتعدى حدود المدينة القديمة. تمكنت الجمهورية نتيجة لذلك من حكم جميع أنحاء إيطاليا وما بعدها بكثير. يُضاف إلى ذلك أن الجمهورية منحت حق المواطنية [الجنسية] الرومانية، التي كانت ذات قيمة كبيرة، للشعوب المقهورة، وهكذا لم تعد هذه الشعوب مجرد رعايا، بل أصبح أفرادها مواطنين رومانيين مؤهلين تماماً لحقوق المواطنة وامتيازاتها.

الصفحات