أنت هنا

قراءة كتاب عن الديموقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عن الديموقراطية

عن الديموقراطية

كتاب " عن الديموقراطية " ، تأليف روبرت أد.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

السعي نحو الديمقراطية: على الطريق، لكن على الطريق فقط

يمكننا إذا ما استفدنا من مزايا دراسة التطور التاريخي أن نلاحظ، بسهولة، أن الأفكار والممارسات السياسية التي كانت سائدة بحلول القرن الثامن عشر في أوروبا أصبحت عناصر هامة في المعتقدات والثوابت الديمقراطية التي ظهرت في وقتٍ لاحق. لكني أريد الآن أن أعرض بإيجاز طبيعة هذه العناصر مستخدماً مفردات لغةٍ أكثر حداثة وتجريدية من تلك التي كانت تستخدمها الشعوب في ذلك الزمان.

أدى منطق المساواة إلى تحفيز إنشاء المجالس المحلية التي كان يتمكن كل الرجال الأحرار بواسطتها أقلُّه من المشاركة في الحكم إلى حدّ ما، وذلك بتشجيعٍ من الأوضاع والفرص المحلية التي ظهرت في عدة مناطق من أوروبا، وبشكلٍ خاص في اسكندنافيا، والفلاندرز، والبلاد المنخفضة [هولندا]، وسويسرا، وبريطانيا. أما الفكرة القائلة بأن الحكومات تحتاج إلى موافقة الخاضعين للحكومة، التي كانت تتعلق في البداية بمسألة فرض الضرائب، فقد تطورت تدريجاً في وقتٍ لاحق إلى المطالبة بأن تشمل هذه الموافقة القوانين بشكلٍ عام. تطلب الحصول على هذه الموافقة - في مساحة تفوق قدرة المجالس البدائية [التي نشأت في البداية]، أي كما كانت الحال في بلدةٍ كبيرة، ومدينة، ومنطقة، أو بلدٍ ما - اجتماع هيئة تمثيلية في مجلسٍ يستطيع فرض الضرائب وسنّ القوانين. لكن هذا التمثيل، وبشكلٍ مغايرٍ تماماً لتطبيقه في أثينا، كان يطبّق ليس بالقرعة، أو بالاختيار العشوائي، لكن بالانتخاب. تطلبت عملية توفير الحصول على موافقة المواطنين الأحرار في قطرٍ ما، أو أمةٍ، أو دولةٍ - أمة، وجود هيئات تمثيلية منتخبة، أو برلمانات، وعلى عدة مستوياتٍ: محلية، وقومية، ولربما مناطقية، أو إقليمية، أو مستويات أخرى تتوسط هذه المستويات.

وفّرت هذه الأفكار والممارسات السياسية الأوروبية أساساً جيداً تستطيع عملية التحوّل إلى الديمقراطية الانطلاق منه. كان من بين العوامل المحفزة للتحوّل أكثر نحو الديمقراطية الروايات المتداولة عن الحكومات الشعبية في مدن اليونان القديمة، وفي روما والمدن الإيطالية، وهي الروايات التي أعطت دفعاً أكثر إقناعاً لمساعي مناصريها. أظهرت تلك التجارب التاريخية أن الحكومات الخاضعة لإرادة الشعب كانت أكثر من مجرد آمالٍ خادعة. نشأت هذه الحكومات بالفعل في وقتٍ ما، لكن الأمر تطلب قروناً عديدة للانطلاق.

الإنجازات التي لم تتحقق: حملت الأفكار، والأعراف، والتاريخ، والممارسات التي تحدثنا عنها تواً وعداً بالسعي نحو الديمقراطية، إلا أنها بقيت وعداً فقط في أفضل الأحوال. يعني ذلك أن أجزاءً هامةً منها بقيت ناقصة.

أولاً، نلاحظ أنه حتى في البلدان الواعدة أكثر من غيرها، ظهرت تباينات كثيرة فرضت هي ذاتها عوائق جسيمة أمام الديمقراطية: فروق هامة بين حقوق، وواجبات، ونفوذ، وقوة العبيد والرجال الأحرار، وما بين الأثرياء والفقراء، وبين أصحاب الأملاك الذين لا أملاك لهم، وما بين السيّد والخادم، وما بين الرجال والنساء، وبين العمال المياومين والمبتدئين في المهن، وما بين الحرفيين المهرة وأصحاب الحِرف، وما بين المواطنين والمصرفيين، وما بين الإقطاعيين والمستأجرين، وما بين النبلاء والعامة، وبين أفراد الأسر المالكة ورعاياهم، وبين المسؤولون الذين يعيّنهم الملك والمأمورين. لم يكن حتى الرجال الأحرار متساوين تماماً في المراكز الإجتماعية، والثروة، والعمل، والالتزامات، والمعرفة، والحرية، والنفوذ، والسلطة. كانت زوجة الرجل الحر تُعتبر في أماكن عديدة ملكاً له بموجب القانون، والعادات، والممارسة. لكن منطق المساواة كان يصطدم في كل مكان بحقائق عدم المساواة الشرسة.

ثانياً، كانت الأماكن التي نشأت فيها المجالس التمثيلية والبرلمانات بعيدةً جداً عن تلبية أدنى معايير الديمقراطية. لم تكن البرلمانات في العادة تشكل نداً مساوياً للملك، وهكذا تطلب الأمر مرور قرون من الزمن قبل أن تتحول السيطرة على وزراء الملك من الملك إلى البرلمان، أو قبل أن يأخذ الرئيس مكان الملك. كانت البرلمانات ذاتها حصوناً للامتيازات، وعلى الخصوص في القاعات المخصصة للأرستقراطيين ولكبار رجال الدين. أما النواب المنتخبون من «الشعب»، فلم يمتلكوا في أحسن الأحوال إلا رأياً جزئياً في عملية سنّ القوانين.

ثالثاً، لم يكن نواب «الشعب» يمثلون أفراد الشعب بأسره في الواقع. يعود ذلك إلى سببٍ وجيه وهو كون الرجال الأحرار قاطبة، رجالاً في النهاية. كان نصف السكان البالغين مستبعدَين من الحياة السياسية، لكن ما عدا وجود ملكة أنثى بين وقتٍ وآخر. لكن الاستبعاد شمل كذلك عدداً كبيراً من البالغين الذكور، أي معظم الذكور البالغين في الواقع. أما في بريطانيا، وفي وقتٍ متأخر مثل العام 1832، فإن حق الانتخاب كان ممنوحاً لخمسة بالمئة فقط من السكان من الذين هم فوق سن العشرين. تطلب الأمر في تلك السنة جهداً كبيراً لتوسيع دائرة الذين يحق لهم التصويت إلى أكثر بقليل من 7 بالمئة (الشكل 2)! أما في النروج فبالرغم من المظهر الواعد المتمثّل في اجتماعات تينغ في خلال فترة الفايكنغ إلا أن هذه النسبة لم تكن أفضل بكثير[7].

الصفحات