أنت هنا

قراءة كتاب الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

كتاب " الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة " ، تأليف د. محمد السهر ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2

1380عام لم تكن كفيلة بتغيير فهم الحاكم لنفسه كحاكم وللمجتمع كمحكوم من جهة، وفهم المجتمع لنفسه كمحكوم وللحاكم كحاكم من الجهة الأخرى. بل أن أبى بكر رضي الله عنه كان أكثر ديمقراطية من مرسي من خلال تضمين خطبته جملة خلت منها كلمة الأخير، تلك المتعلقة بتقويم الجماهير للزعيم أو عزله إذا أثبت أنه غير أهل للمنصب الذي هو فيه، بينما مرسي عاد بعد أشهر قليلة ليعلن عن جملة من الصلاحيات الممنوحة له كرئيس لا تقل عن أية صلاحيات كان يمتلكها الخليفة الإسلامي في القرون الوسيطة. والحقيقة أن الزعماء العرب الذين يحاولون التشبه بالخلفاء الراشدين، إنما يقومون بذلك لتغطية شخصياتهم الحقيقية ذات التمثل الأموي أو العباسي أو الفاطمي، الذي كان يجعل من الحاكم ظل الله في الأرض وراعي رعيته فيها، الشخص المقدس الموكولة له الزعامة من الله، حيث اصطفاه من دون العالمين ليكون في الذي هو عليه دون الآخرين. وبناءاً على ذلك فأن المبدأ لدى الطرفين يبدو واحداً لم يتغير.

ولا زال الحاكم العربـي يهرع إلى المؤسسة الدينية عندما تلم به المحن، فيستظل بفيئها ويحتمي من الجماهير بالفتوى الدينية التي تحض على رص الصفوف وتوحيد الأمة وتفويت مخططات الأعداء. ومن الغريب أن نجد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (إسلامي-شيعي) يستخدم مفردات المؤسسة الدينية السنية التي كانت تُستخدم لدرء مخاطر الثورة مثل مفهوم الفتنة. فعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد أُنتج بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه ، ثم استخدمته الدولتين الأموية والعباسية للتخلص من مناوئيهم الذين هم بالعادة ثوار شيعة أو خوارج، إلا أننا نجد المالكي يستخدم هذا المفهوم في خطاب له بمناسبة تأسيس حزب الدعوة الإسلامي في يوم 28كانون الثاني 2013، يستخدمهُ بعد أن أعيتهُ مشكلة المظاهرات في محافظة الأنبار. كما أن التلفزيون العراقي الرسمي المتمثل بالقناة الفضائية العراقية بثت دعوى لرجل دين سني سلفي عراقي يدعو إلى عدم الخروج على المالكي لأنهُ يمثل الحاكم الذي يُعد الخروج عليه مدعاة للفوضى والفتنة.

هذه الدعوات الصادرة من المرجعيات الدينية والداعية إلى عدم التغيير خوفاً من الفتنة صارت تتكرر بصورة واضحة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث شاهدنا واستمعنا إلى دعاة إسلاميين في مصر وليبيا واليمن وسوريا والسعودية والبحرين والكويت والسودان والأردن، وهم يدعون جماهير الأمة إلى عدم الخروج على الزعيم لأنهُ يمثل صمام الأمان للأمة. وعلى الرغم من أن بعض هذه المؤسسات تعترف بفشل سياسيات الدولة القائمة إلا أنها تدعو إلى تقديم النصح للحاكم الجائر بدلاً من الفتنة (الثورة).

لا زال الحاكم العربـي يستند على إطارين مرجعيين رئيسين، هما العرف العشائري- القبلي، والدين. هذا الاستناد ليس من الضرورة أن يكون عن اقتناع منه، ولكن الجماهير القابعة في دهاليز الماضي هي التي تجبرهُ على التمسك بالمرجعية الدينية وبالنظام القبلي، لذا نشاهد وكمثال بسيط على ذلك، الكم الهائل من المؤتمرات التي تضم رجال دين أو شيوخ عشائر طوال العشرة أعوام الماضية (2003-2013) في العراق. ومن الواضح أن الدور الرئيس والمهم هو لرجل الدين أولاً، ولرجل القبيلة ثانياً، ولا يأتي دور السياسي المحترف إلا في مراتب متأخرة. وهذا الأمر أصبحنا نراه في أية دولة عربية حدث فيها تغيير مثل مصر وليبيا واليمن على أقل تقدير.

إذن نحن أمام موضوع شائك ومعقد، مُركب ومتداخل، وعر ومظلم، ذلك هو الطريق الذي سلكناه في هذه الدراسة، التي نجد أن لا مناص منها لتشخيص ما نحن فيه، وليس ما ندعي أننا نحن فيه. في هذه الدراسة سوف نربط الحاضر بالماضي عبر ما نجده من صور معاصرة ترتدي ثوب الماضي وتكتسي بعباءته، على الرغم من كل ما مر به العالم من مراحل متعددة من التغير والتطور. إن الفلسفة السياسية في المجتمعات العربية المعاصرة لم تستطع أن تخرج من قمقم الماضي، فعلى الرغم من مختلف الأطر التي تأطرت بها بعض الأنظمة السياسية العربية كمصر والعراق وسوريا، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، هذه الأطر التي اشتملت على الليبرالية والماركسية والقومية، إلا أن هذه الأنظمة لم تستطع أن تكون إلا صدى للماضي.

وإذا كانت هذه الحالة قد تمت تحت الرعاية والإشراف المباشر من قبل كل من بريطانيا وفرنسا قبل منتصف القرن العشرين، حيث كان القائمون على السياسة العربية يحاولون محاكاة الأنظمة الراعية لهم في أوربا قدر ما يستطيعون، إلا إن ذلك الغطاء غير الواقعي سرعان ما تم التخلص منه في النصف الثاني من ذلك القرن، حيث جاء الزعيم العربـي الذي لم يتوانى عن ارتداء ثوب السلف من الحكام، فارتدت معهُ المجتمعات ثوب السلف من المحكومين. هنا يتكرر السؤالين المركزيين، اللذين تقوم حولهما هذه الأطروحة، يتكرران مرات عديدة، لماذا حدث ذلك؟ وكيف؟ آملين أن تكون هذه الدراسة جديرة بالإجابة عنهما.

الصفحات