أنت هنا

قراءة كتاب المسيحية المجردة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسيحية المجردة

المسيحية المجردة

كتاب " المسيحية المجردة " ، تأليف سي. أس .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

كان سي. أس. لِويس، وقد وصفه أحد أصدقائه مرَّةً بأنَّه مولع بالتخيُّل، يعتقد أنَّ القبول الراضي للأمر الواقع يعكس ما يتعدَّى فقدان رباطة الجأش. ففي ‘‘المسيحيَّة المجرَّدة’’، كما في آثاره الأكثر خياليَّةً، حكاياتِ نارنيا وروايات الخيال العلميّ، ينمُّ عن إيمانٍ عميق بقدرة الخيال البشريِّ على كشف الحقيقة المتعلِّقة بحالتنا وعلى فتح باب الرجاء أمامنا. إذ إنَّ الأساس المنطقيَّ للخرافات الرمزيَّة وللإيمان على السواء هو أنَّ ‘‘أطول طريقٍ دائريّ هو أقصر طريق إلى البيت’’.

وفيما تكلَّم لِويس بسلطان الاختبار دون سواه، وهو مؤمنٌ من العامَّة كان مُلحِدًا في ما مضى، قال لسامعيه إنَّه انتُدب لمهمَّة وصف المسيحيَّة لجيلٍ جديد على نحوٍ دقيق لأنَّه ليس واحدًا من ذوي الاختصاص بل ‘‘هاوٍ ومبتدئ، لا خبير متمِّرس’’. وقد قال لأصدقائه إنّه قَبِل المهمَّة لأنّه يعتقد أنّ إنكلترا، بعدما باتت تعدّ نفسها جزءًا من عالَمِ ‘‘ما بعدَ المسيحية’’، لم يبلِّغها أحدٌ قطُّ في الواقع وبعباراتٍ أساسيَّة ما هو محور الدِّين. وهكذا، فإنَّ لِويس، على غرار سورين كيركيغارد قبلَه ودَيتريتش بونهويفر مُعاصِرِه، يسعى في ‘‘المسيحيَّة المجرَّدة’’ إلى مساعدتنا على رؤية الدِّين بعينٍ جديدة، باعتباره إيمانًا ثوريًّا يمكن تشبيه أتباعه بجماعة سرِّيَّة تجتمع في منطقة حرب، في مكانٍ يبدو أنَّ للشرِّ فيه اليدَ العُليا، لتُصغي إلى رسائل الرجاء الآتية من الجهة الأُخرى.

إنَّ مسيحيَّة سي. أس. لِويس ‘‘المجرَّدة’’ ليست فلسفةً من الفلسفات، ولا حتَّى وجهة نظر لاهوتيَّة، يمكن النظر فيها ومناقشتها ثمَّ الاحتفاظ بها في كتابٍ على الرفّ. ولكنَّها نمط حياة يستنهض همَّتنا دائمًا كي نتذكَّر، كما قال لِويس ذات مرَّة، إنَّه ‘‘ليس هنالك أُناسٌ عاديُّون’’ وإنَّ ‘‘أولئك الذين نُمازحهم، ونُزامِلهم في العمل، ونصاهرهم بالزواج، وَنستخفُّ بِهِمْ ونستغلُّهم، إنَّما هم خالدون’’. ويعتقد لِويس أنَّه ما إن نُدَوزِن أنفسنا بمقتضى هذه الحقيقة، حتَّى نُشرِّع أبواب نفوسنا لتغيير حياتنا على نحوٍ خياليّ بطريقةٍ تجعل الشرَّ يتقلَّص والخير يسود. ذلك هو ما طلبَه المسيح منّا باتِّخاذه طبيعتنا البشريَّة وتطهيره لأجسادنا وطلبِه منَّا في المقابل أن نعلن اللهَ بعضُنا لبعض.

ولئن جعل العالمُ هذا الأمر يبدو مهمَّةً متعذِّرة، فإنَّ لِويس يُصِرُّ على أنَّها ليست كذلك. حتَّى امرؤٌ يتصوَّره ‘‘مُفسَدًا من جرَّاء تَربيةٍ بائسة في بيتٍ ملؤه المحاسدات المبتذلة والمخاصمات العقيمة’’ يمكنه أن يتيقَّن بأنَّ الله عليمٌ ‘‘أيَّةُ آلة رديئة تحاول أن تقودها’’، ويطلب فقط أن ‘‘تُواصِل السعي، باذلًا قصارى جهدك’’. فالمسيحيَّة التي يُناصِرها لِويس إنسانيَّة، غير أنَّها ليست سهلة، إذ هِي تطلب منّا أن ندرك أنَّ الكفاح الدينيَّ العظيم لا نخوضه في ساحةِ معركة مشهديَّة عظيمة، بل داخل القلب البشريّ العاديّ، حين نستيقظ كلَّ صباح ونُحِسُّ ضغوط يومنا مزدحمةً علينا وينبغي لنا أن نُقرِّر أيَّ نوعٍ من الخالدين نرغب أن نكون. ولربَّما أعاننا، كما أعان يقينًا الشعبَ البريطانيَّ الذي أنهكته الحربُ والذي أصغى أوَّلًا إلى هذه الأحاديث، أن نتذكَّر أنَّ الله بالمرصاد حقًّا لأولئك الذين يسعَون في إثر السلطة والقوَّة مهما كان الثمن. فكما يذكِّرنا لِويس، بظرفه المعهود ودعابته المألوفة: ‘‘كم كان جميع الطُّغاة والغُزاة متشابِهين على نحوٍ رتيب، وكم يختلف القدِّيسون على نحوٍ مجيد!’’

كاثلين نُورِّس

(Kathleen Norris)

الصفحات