أنت هنا

قراءة كتاب المسيحية المجردة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسيحية المجردة

المسيحية المجردة

كتاب " المسيحية المجردة " ، تأليف سي. أس .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

غير أنَّ الأمر اللافت للنظر حقًّا هو هذا: كلَّما وجدتَ إنسانًا يقول إنَّه لا يؤمن بصوابٍ وخطإٍ حقيقيَّين، فستجد ذلك الإنسان نفسه يتراجع عن هذا بعد هُنيهة. فهو قد ينقض وعده لك، ولكنْ إذا حاولتَ نقض وعدٍ وعدتَه به فإنَّه سيتشكَّى قائلًا:‘‘ليس هذا من العدل والإنصاف!’’ قبل أن يُتاح لك قول كلمةٍ واحدة. وقد يقول أهل بلدٍ ما إنَّ المعاهدات لا تهمّ، إنَّما لا تكاد تمضي دقيقتان حتَّى يُفسِدوا دعواهم وحديثهم بقولهم إنَّ المعاهدة المعيَّنة التي يريدون نقضها معاهدةٌ غير عادلة. ولكنْ إذا كانت المعاهدات لا تهمّ، وإذا لم يكُن من شيءٍ مثل الصواب والخطأ، وبعبارةٍ أُخرى: إذا كان قانون الطبيعة غير موجود، فما الفرق بين معاهدة عادلة وأُخرى غير عادلة؟ ألم يكشفوا حقيقة أمرهم ويُثبِتوا أنَّهم مهما قالوا فهم يعرفون قانون الطبيعة، مَثلُهم مَثلُ غيرهم تمامًا؟

يبدو إذًا أنَّنا مُرغَمون على الإيمان بوجود معيار حقيقيّ للصواب والخطأ. وقد يكون الناس أحيانًا مخطئين بشأنهما تمامًا كما يغلط بعضُهم في حساب الجمع. غير أنَّهما ليسا مجرَّد مسألة ذوق ورأي، مثلهما مثل جدول الضرب.

وإن كنَّا قد اتَّفقنا على هذه النقطة، أنتقل الآن إلى النقطة التالية، وهي هذه: ليس أحدٌ منَّا يعمل حقًّا بقانون الطبيعة. فإذا كان بينكم أيَّةُ استثناءات، فإنَّني أعتذر إليهم. وخيرٌ لهم أن يقرأوا أيَّ كتابٍ آخر، لأنَّ أيَّ شيءٍ ممَّا سأقوله لا يعنيهم. فها أنا الآن أتوجَّه إلى الكائنات البشريَّة العاديَّة أي إلى الباقين جميعًا:

أرجو ألَّا تُسيئوا فهم ما سأقوله. إنَّني لستُ أعظ، ويشهد الله أنَّني لا أتظاهر بكوني أفضل من أيَّ شخصٍ غيري فأنا إنَّما أُحاول لفت أنظاركم إلى حقيقة واقعة، وهي أنَّنا، هذه السنة أو هذا الشهر أو على الأرجح هذا اليوم، قد أخفقنا نحن أنفسُنا في ممارسة نوع السلوك الذي نطلبه من غيرنا. وربَّما يتوافر لدينا كلُّ نوع من الأعذار. ففي تلك المرَّة التي فيها قسوتِ على أولادكِ كنتِ مُرهَقة ومُنهكة. وتلك العمليَّة شبه المشبوهة التي أجريتَها في مجال العمل والمال، تلك التي كدتَ تنساها، حصلَت حين كنتَ في ضائقة مالية خانقة. وما وعدتَ بأن تفعله للعجوز الفلانيِّ ولكنّك لم تفعله قطّ، ما كنتَ لِتَعد به قطعًا لو علمتَ كم سيكون انشغالك رهيبًا. أمَّا تصرُّفك مع زوجتك (أو تصرُّفكِ مع زوجك) أو أُختِك (أو أخيكِ)، فما كنتُ لأَعجب منه لو علمتُ أيَّ درجةٍ من الاستفزاز قد يبلغون، وعلى كلِّ حال، مَن أنا يا تُرى؟ أليس مَثَلي مثَلَكم تمامًا؟ أعني أنَّني لا أنجح إلى التمام في مراعاة قانون الطبيعة. وحالما يقول لي أحد إنَّني لا أُراعيه، يجول في ذهني خيطٌ من الأعذار بطول ذراع! والسؤال حاليًّا ليس عن كونها أعذارًا جيِّدة، بل بيتُ القصيد أنَّها برهانٌ آخر على مدى العمق الذي به نؤمن بقانون الطبيعة، أحببنا ذلك أم كرهناه. فإذا لم نكن نؤمن بالسلوك اللائق، فلماذا نهتمُّ كثيرًا بتقديم الأعذار عن سوء تصرُّفنا؟ إنَّما الحقُّ أنَّنا نؤمن بالاستقامة كثيرًا، ونحسُّ حُكم القانون يلحُّ علينا كثيرًا، حتَّى لا نُطيق مواجهة حقيقة كوننا مخالفين له، فنحاول تاليًا إزاحة المسؤوليَّة بعيدًا عنّا. فأنتم تلاحظون أنَّنا من أجل سلوكنا السيِّئ وحده نقدِّم تلك التفسيرات كلِّها. وطبعُنا السيِّئُ فقط هو ما نسوِّغه ونبرِّره بكوننا مُتعَبين أو قلِقين أو جائعين؛ أمَّا طبعنا الحسن فنُبقيه لأنفسنا.

هاكم إذًا النقطتين اللتين أردتُ تأكيدهما. الأُولى أنَّ لدى الكائنات البشريَّة، في أنحاء الأرض كلِّها، تلك الفكرةَ الفريدة بأنَّ عليهم أن يتصرَّفوا بطريقة معيَّنة، وليس في وسعهم حقًّا التخلُّص من هذه الفكرة. والثانية أنَّهم بالحقيقة لا يتصرَّفون بتلك الطريقة. فهم يعرفون قانون الطبيعة، ويخالفونه. هاتان الحقيقتان هما أساس كلِّ تفكير جليّ واضح في أنفسنا وفي العالم الذي نعيش فيه.

الصفحات