أنت هنا

قراءة كتاب المسيحية المجردة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسيحية المجردة

المسيحية المجردة

كتاب " المسيحية المجردة " ، تأليف سي. أس .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

1 - قانون الطبيعة الإنسانيَّة

لا شكَّ أنَّنا كلَّنا سمعنا أُناسًا يتخاصمون. وأحيانًا يبدو ذلك سخيفًا، وفي أحيان أُخرى مُزعِجًا جدًّا. ولكنْ كيفما بدا الأمر، أعتقد أنَّنا نتعلَّم شيئًا بالغ الأهميَّة من الإصغاء إلى الأمور التي يقولونها. فهم يقولون أقوالًا كهذه: ‘‘ماذا يكون وقْع الأمر عليك لو عاملك أيُّ إنسان بالمثل؟’’ ‘‘دعه وشأنه، إنَّه لا يسبِّب لك أيَّ أذى!’’ ‘‘لماذا ينبغي لك أن تندفع للجلوس قبل غيرك؟’’ ‘‘أعطِني جزءًا من برتقالتك، فأنا أعطيتك جزءًا من برتقالتي!’’ ‘‘هيَّا، فأنت وعدتَ بهذا!’’ إنَّ الناس يقولون أقوالًا كهذه كلَّ يوم، سواءٌ أمتعلِّمين كانوا أم أُميِّين، كبارًا أو صغارًا.

ولكنَّ ما يعنيني بشأن هذه الأقوال هو أنّ الشخص الذي يقولها لا يعني فقط أنَّ تصرُّف الشخص الآخر لا يرضيه فعلًا، بل ينطلق أيضًا من معيارٍ للسلوك يتوقَّع من الآخر أن يعلم به. ثمَّ إنَّ الشخص الآخر نادرًا جدًّا ما يُجيب: ‘‘تبًّا لمعيارك!’’ بل إنَّه في كلِّ حين تقريبًا يحاول أن يُبيِّن أنَّ ما كان يفعله لا يخالف المعيار حقًّا، أو إذا خالفه فلعذرٍ خاص. فهو يزعم أنَّ في هذه الحالة المعيَّنة سببًا خاصًّا يضطرُّ مَن احتلَّ المقعد أوَّلًا إلى التخلِّي عنه، أو أنَّ الأمور كانت مختلفة تمامًا لمَّا أُعطي جزءًا من البرتقالة، أو أنَّ أمرًا طارئًا يحول دون وفائه بوعده. وبالحقيقة، يبدو على أكثر ترجيح كما لو كان في ذهن كِلا الطرفين قانونٌ ما، أو قاعدة إنصافٍ أو سلوك لائق أو مفهوم أخلاقيّ، أو ما شئتَ أن تسمِّيه، توافقا عليه فعلًا. وهما توافقا بالفعل، ولو كان غير ذلك، لتقاتلا كالوحوش، إنَّما لم يكن في إمكانهما أن يتخاصما، بالمعنى البشري للكلمة. فالخصام معناه محاولة إثباتك أنَّ الشخص الآخر على خطأ. ولن يكون لذلك أيُّ معنى إلَّا إذا كنتما، أنت وهو، على توافُقٍ ما بشأنِ ماهيَّة الصواب والخطأ؛ تمامًا كما لا يكون أيُّ معنًى لقولك إنَّ لاعب كرة القدم قد ارتكب خطأً، إلَّا إذا وُجِدَ توافُقٌ ما على قواعد لعبة كرة القدم.

وقد درج الناس على تسمية ذلك القانون أو تلك القاعدة بشأن الصواب والخطأ ‘‘قانون الطبيعة’’. أمَّا اليوم، فعندما نتكلَّم عن ‘‘قوانين الطبيعة’’ نعني عادةً أُمورًا مثل الجاذبيَّة أو الوراثة أو قوانين الكيمياء. ولكنْ لمَّا دعا المفكِّرون الأقدمون الصواب والخطأ ‘‘قانون الطبيعة’’، فإنَّما قصدوا في الحقيقة قانون الطبيعة الإنسانيَّة. وكانت الفكرة أنَّه كما يتحكَّم قانون الجاذبيَّة بجميع الأجسام، والقوانينُ البيولوجيَّة بالكائنات الحيَّة، فكذلك تمامًا للمخلوق المسمَّى إنسانًا قانونُه الخاصّ؛ ما عدا هذا الفرق الأساسيّ: أنَّ الجسم لا يستطيع أن يختار خضوعه لقانون الجاذبيَّة أو عدم خضوعه له، ولكنَّ الإنسان يستطيع أن يختار إمَّا الخضوع لقانون الطبيعة الإنسانيَّة وإمَّا عدم الخضوع له.

الصفحات