أنت هنا

قراءة كتاب المسيحية المجردة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسيحية المجردة

المسيحية المجردة

كتاب " المسيحية المجردة " ، تأليف سي. أس .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

وفي وسعنا التعبير عن ذلك بطريقة أخرى. إنَّ كلّ إنسان، في كلِّ لحظة، مُخضَعٌ لبضعة قوانين مختلفة، ولكنَّ بين هذه القوانين واحدًا فقط له الحرِّيَّة بألَّا يخضع له. فمن حيث كونه جسمًا، هو مُخضَع للجاذبيَّة ولا يستطيع ألَّا يخضع لها: فإن تركتَه بلا سندٍ في قلب الهواء، لا يكون له أيُّ خيار في أمر السقوط، مَثَلُه مَثَلُ الحجر تمامًا. ومن حيث كونُه كائنًا حيًّا، هو مُخضَعٌ لقوانين بيولوجيَّة شتَّى لا يمكنه ألّا يخضع لها، مَثلُه مثل الحيوان تمامًا. ذلك أنَّه لا يستطيع أن يخالف تلك القوانين التي يتشارك فيها مع سائر الأشياء؛ غير أنَّ القانون المقتصر على طبيعته الإنسانيّة- القانون الذي لا يتشارك فيه مع الحيوان أو النبات أو الأشياء غير العُضويَّة، هو القانون الذي يستطيع عدم الخضوع له إذا أراد.

وقد دُعي ذلك القانونُ ‘‘قانونَ الطبيعة’’ لأنَّ الناس اعتقدوا أنَّ كلَّ امرئ يعرفه بالطبيعة ولا داعيَ لتعليمه إيَّاه. وهم لم يقصدوا بالطبع أنَّه لا يمكن أن تجد فردًا غريبًا هنا أو هناك لا يعرف ذلك القانون، تمامًا كما تجد قلَّةً من الناس مصابين بعمى الألوان أو غير قادرين على التمييز بين الألحان. ولكنْ بالنظر إلى الجنس البشريِّ عمومًا، اعتقدوا أنَّ الفكرة البشريَّة بشأن السلوك اللائق بديهيَّةٌ لدى الجميع. وفي يقيني أنَّهم كانوا على حقّ. ولو لم يكونوا، فعندئذٍ يكون كلُّ ما قلناه عن الحرب عديم المعنى. فأيُّ معنًى يكون للقول إنَّ العدوَّ على خطأٍٍ إلَّا إذا كان الصواب أمرًا حقيقيًّا يعرفه النازيُّون جوهريًّا كما نعرفه نحنُ البريطانيِّين تمامًا، وكان ينبغي أن يعملوا به؟ ولو لم تكن لديهم أدنى فكرة عمَّا نعنيه نحنُ بالصواب لمَا كنَّا نلومهم على سلوكهم أكثر من لومنا لهم على لون شعرهم، مع أنَّنا ربَّما اضطُرِرنا لمحاربتهم على كلِّ حال.

في علمي أنَّ بعض الناس يقولون إنَّ فكرةَ قانون الطبيعة أو السلوك اللائق، تلك المعروفةَ عند جميع البشر، ليست سليمة. وذلك لأنَّ الحضارات المختلفة والعصور المختلفة كانت لديها نُظُم أخلاقيَّة مختلفة.

ولكنَّ ذلك غير صحيح. فلطالما وُجِدت اختلافات بين أخلاقيات البشر، ولكنَّها لم تبلغ حدَّ الاختلاف الكلِّيِّ قطّ. فإذا تكلَّف امرؤ مشقَّة المقارنة بين التعاليم الأخلاقيَّة، مثلًا، عند قُدامى المصريِّين والبابليِّين والهندوسيِّين والصينيِّين واليونانيِّين والرومانيِّين، فإنَّ ما يستوقفه حقًّا هو كيفيَّةُ مشابهة تلك الأخلاقيَّات بعضها لبعض ولأخلاقيَّاتنا نحن. وقد أشرتُ في مُلحَق كتابٍ آخر عنوانُه ‘‘إبطال الإنسان’’ (The Abolition of Man) إلى جملةٍ من البيِّنات المؤكِّدة لهذا الواقع، إلَّا أنَّني هُنا أكتفي بأن أطلب من القارئ التفكيرَ بما قد يعنيه نظامٌ أخلاقيٌّ مختلف كليًّا: فكِّرْ في بلدٍ يُمتدح فيه الناس لفرارهم من ساحة المعركة، أو يشعر المرء فيه بالفخر والخُيلاء لخيانته جميع الذين عاملوه ألطف معاملة. ولك كذلك أيضًا أن تُفكِّر في بلدٍ يكون فيه حاصل جمع اثنين مع اثنين خمسة. فقد اختلف الناس في تحديد مَن ينبغي لك أن تعاملهم معاملةً غير أنانيَّة: عائلتك الخاصَّة أو إخوانك المواطنون أو الناس أجمعون. غير أنَّهم توافقوا دائمًا على أنَّه ينبغي لك ألَّا تضع نفسك في المقام الأوَّل. فالأنانيَّة لم تُمتدَح يومًا. وكذلك اختلف الناس في ما يخصُّ كم زوجةً ينبغي أن يتزوَّج الرجل، واحدةً أو أكثر. غير أنَّهم توافقوا دائمًا على أنَّه لا ينبغي للمرء أن يحوز أيَّة امرأةٍ جذبه إليها هواه.

الصفحات