أنت هنا

قراءة كتاب إلياس فرحات شاعر العروبة في المهجر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إلياس فرحات شاعر العروبة في المهجر

إلياس فرحات شاعر العروبة في المهجر

إلياس حبيب فرحات شاعر من أبرز شعراء العرب في البرازيل، وأعرقهم في الشاعرية الحقة، فليس للعروض والقواعد والبلاغة شيء من الفضل في حياته الشعرية، وإنّما الفضل كله لطبيعته الموهوبة، ولاستعداده الفطري للشاعرية الصحيحة..

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4
وأرى ههنا من المناسب أنْ أنقل بعض ما ذكره فرحات نفسه في هذا الباب في مذكراته المخطوطة، فقد جاء فيها ما يلي: "بين حين وآخر ألتقي من الأدباء من يسألني كيف وأين تعلمت اللغة العربية؟ وبين آونة وأخرى أقرأ أو أسمع من يقول: فرحات درس العربية على نفسه، والحق أنّني لا أعرف كيف ولا أين تعلمت هذه اللغة؟ فإنّي لم أدرسها على نفسي ولا على غيري، فقد تركت مدرسة الضيعة ولي من العمر عشر سنين، ولم أكن قد قرأت من الكتب عند الراهب إلا مزامير داود، ولم أتصفح حياتي كلها كتاباً للصرف والنحو.. ولا أظنّ أنَّ الراهب المعلم كان يعرفهما أو يعرف منهما شيئاً.
 
وبعد تركي المدرسة لم أدرس قط، وإنْ أكن قد طالعت كثيراً، فإنَّ القراءة شيء والدرس شيء آخر، وحتى سنة 1921 لم تكن مكتبتي تحوي من الكتب غير جغرافية فانديك. وفي تلك السن كنت أنظم الشعر الفصيح.. لم أدرس الصرف ولا النحو ولا العروض، وأنا من طبعي لا جلد لي على الدرس..".
 
هكذا أصبح فرحات شاعراً بغير أن يتلقى الشاعرية من الكتب، لأن الشاعرية موهبة تمنحها السماء لمن ترضى عنهم "و... لم تكن ترضى السما إلا عن الصلاح".. كما يقول إيليا أبو ماضي.
 
ولعل من المستحسن أن نورد في هذه العجالة أمثلة قصيرة من أزجال فرحات الأولى قبل أنْ يصبح شاعراً.. وهذه الأمثلة قد أوردها فرحات في مذكراته أيضاً وهي تدلنا على براعة فرحات في التهكم اللاذع، ومنها قوله لأحد منازليه في الزجل:
 
كنــت لقـــدامي موديــك عدت لخلفي رجعتـــــك
 
لو أعطوني نحاســة ديــك بكــــون حمار إن ما بعتك
 
ومنها البيتان التاليان وقد أرسلهما في كتاب إلى والده من زحلة، وهو ما يزال يافعاً، وكان قد اشتاق إلى رؤية قريته، ولقاء حبيبته التي تعلق بها في سنّ مبكرة جداً حتى لم يعد يطيق فراقها:
 
العصفور اللي بعدو صغير متشــوق للضيعـــة كثير
 
في سجنو مش راح يبقــى بــس يريــــش بدو يطير
 
ويكفي هذان المثالان لنعرف منهما أنَّ فرحات قد خلق ليكون شاعراً، فقد كان منذ البداية متفتح النفس والحس، سريع الخاطر، خفيف الروح.
 
وفي سنة 1925 صدر لفرحات أول ديوان شعري باللغة الفصحى، وقد طبع في البرازيل، وهو كتاب صغير الحجم، يشتمل على عدد كبير من الرباعيات عنوانه "رباعيات فرحات" وهذه الرباعيات متنوعة الأغراض كما هي متنوعة القوافي، ومتنوعة الأوزان، غير أنَّ الصفة التي تكاد تجمعها جميعاً، هي صفة التمرد على المجتمع البشري بتقاليده وطقوسه، ومذاهبه الدينية والسياسية والاجتماعية، ثم التشاؤم وأكاد أقول واليأس من إمكان إصلاح هذا المجتمع الفاسد. الموبوء بكل داهية وخيمة من التفرقات والنعرات، والأطماع والنذالات، ومن الظلم والاستعباد، والذل والخنوع، وهو في أكثر هذه الرباعيات المتمردة مصيب وموفق، كقوله في التفرقة المذهبية التي هي سبب خنوع الشرق للذل، والتي لا نزال نجدها، مع شديد الأسف، حتى لدى الكثيرين ممن تلقوا العلم في الغرب، ونالوا درجات علمية عالية.

الصفحات