أنت هنا

قراءة كتاب إلياس فرحات شاعر العروبة في المهجر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إلياس فرحات شاعر العروبة في المهجر

إلياس فرحات شاعر العروبة في المهجر

إلياس حبيب فرحات شاعر من أبرز شعراء العرب في البرازيل، وأعرقهم في الشاعرية الحقة، فليس للعروض والقواعد والبلاغة شيء من الفضل في حياته الشعرية، وإنّما الفضل كله لطبيعته الموهوبة، ولاستعداده الفطري للشاعرية الصحيحة..

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 8
ويقول فرحات:
 
"لا أذكر السن التي ابتدأت أذهب فيها إلى المدرسة، على أنّني أؤكد أني تركت المدرسة (مدرسة الضيعة) ولي من العمر عشر سنوات، ثم لم أدخل بعدها مدرسة أتعلم فيها قط..".
 
ويضيف إلى ذلك قوله:
 
"قبل أن أودع المدارس نهائياً كنت قد أصبحت في نظر الأولاد "قوالاً" أي أنّني كنت قد اشتهرت بقول الزجل اللبناني المعروف"بالقرادي" فمتى اشتهر أيضاً بين الرجال بالزجل؟
 
إنَّ شهرته في هذا سرعان ما انتقلت من محيط الأولاد إلى محيط الرجال، وفي الضيعة لا يخفى شيء، مهما يكن صغيراً، عن عيون الجميع كباراً وصغاراً.. "فصار هؤلاء لا يقعدون في مجلس طرب إلا وأنا معهم، يأخذونني إلى الأفراح والأعراس لأنازل فحول القول.." ولقد ذكر في مذكراته كثيراً من مجالس الطرب والقول التي اشترك فيها اذ ذاك، ونازل فيها رجالاً من مشاهير القوالين.
 
على أنَّ الحياة في سنه تلك لم تكن حياة نعومة وطرب وانطلاق بالنسبة إلى طفل قروي فقير مثله، فكان لا بد له من عمل، فبدأ حياته بعد مغادرة المدرسة بالعمل في مصنع لصنع الكراسي في بيروت، ويقول: "فكان عليّ أنْ أتعلم قبل كل شيء تسخين الغراء، ثم تقشيش الكراسي، أي نسج مقاعدها، على أنَّ ترددي على معمل إبراهيم هاشم لم يطل أمره، وذلك أنّي هجوت الرجل "بردة قرادي" نقلها إليه أحد الزملاء في العمل فطردني، فنقلت إلى معمل آخر قريب منه.
 
وفي المعمل الجديد قضى فرحات الطفل أكثر من عام، وكان ينام في المعمل هو ورفاقه العمال الذين كانوا من قريته، كما كان صاحب المعمل أيضاً من القرية نفسها، وكان يعود إلى القرية مساء كل سبت ليقضي عطلة الأحد فيها، ثم يعود إلى المعمل صباح يوم الاثنين.
 
وتبدأ الحياة العاطفية تلعب دورها في حياة فرحات، وفي ذلك يقول: "في تلك السن المبكرة غزا الحب قلبي.. غزاه بطريقة وحشية جنونية، ملأت أوساطه وحواشيه، ولم تترك فيه "مغرز إبرة" خالياً.." وكانت الفتاة التي أحبها نسيبة له، كان أبوها يحب المطالعة، ويشترك في مجلة "الهلال" وعلى مطالعة "الهلال" اجتمع الحب والتنافس في قلبي "إلياس وأنيسة" وكانت روايات الهلال لجورجي زيدان تلهب في قلبيهما الطفلين نار الحب، فلما أحسّ أبواهما بذلك الحب العنيف الذي كانت تدل عليه خلواتهما الكثيرة المتكررة، أرادا أن يحدا من طيشهما فأرسلها أبوها إلى مدرسة داخلية للراهبات في "برج البراجنة" القريبة من كفرشيما، وأرسله أبوه إلى زحلة، ليعمل في النجارة مع نجارين من قريته كانوا يعملون هناك.
 
ويقول فرحات:
 
"ولكن زحلة بعيدة، وأنا يكاد الشوق إلى الضيعة يميتني، وذكر الحبيبة وخيالها يملآن كياني.. فرحت أنظم الأزجال والأشعار التي يعلم الله كيف كانت من حيث اللغة والصرف والنحو.. وبقيت في زحلة شهوراً كانت كأنها أعوام، لم يكن يصل إلى يدي من المال ما يكفي لشراء جواز سفر إلى كفرشيما، وكنت أتهيب الهرب إليها مشياً على الرجلين.. وأخيراً رأيت أنْ لا بد من الهرب، فهربت مشياً إلى أول محطة للقطار، وهي "سعد نايل" وهناك اختبأت بين الأكياس المعدة للشحن، حتى إذا وصل القطار دخلته متكلاً على الله وعلى "آدمية" المفتش الذي لم يخب ظني فيه، فإنّه عندما وصل إليَّ وسألني عن الجواز أفهمته أن لا جواز ولا نقود، وأني من كفرشيما وأريد أن أرجع إلى أهلي، فأشفق علي وتركني.. وثاني يوم وصولي ذهبت إلى برج البراجنة لأزور نسيبتي المحبوبة المسجنونة في المدرسة، متسلحاً بالقربى.. فجاءت فكاد يغمى علي حينما وقعت عيني عليها، ووضعت يدي في يدها مسلماً، وكنت وإياها نرتجف كأننا تحت عاصفة ثلجية.. وما كنا إلا تحت عاصفة نارية.. فجلسنا على مقعد هناك أسألها وتسألني، وأعيننا الأربع تقابل كل منها الأخرى لا تحيد عنها.. وأذكر أني سألتها عن كتاب "مجنون ليلى" وكنت قد تركته لها، فقالت باسمة: "أطعموني عليه مجدرة..!" فقد اكتشفته الراهبات معها فأجبرنها على طرحه في الموقد، لأن "الحب خطيئة مميتة"..! ولم يطل جلوسنا معاً لأن الراهبة عادت تدعوها إلى الدرس، فنهضت ونهضت أودعها بالنظر دون اللسان، لأنني شعرت ساعتئذ أنني أخرس".
 
تلك هي قصة حبه الأول، ذلك الحب المبكر العنيف الذي أنضج فيه الشعر والعاطفة والخيال، ودفعه إلى المغامرة والهجرة إلى البرازيل، لكي يجمع المال ويعود فيسعد إلى جانب فتاته بحب طويل العمر، ولكن الأيام قد أدالت في ديار الهجرة والشقاء من حب الطفولة، فإذا أنيسة التي تنتظره، زوجة لسواه، وإذا هو أيضاً زوج لغيرها.

الصفحات