أنت هنا

قراءة كتاب فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

كتاب " فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية " ، تأليف د. ناجي التكريتي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

للنفس عند مسكوية ثلاث قوى:

1) القوة العقلية أو القوى الناطقة، ويسمى أيضاً بالقوة الملكية وآلتها الدماغ.

2) القوة الثانية هي القوة الغضبية، التي تسمى بالسبعية، وأن آلتها القلب، وبهذه القوة يكون الغضب وحب التسلط والإقدام على الأهوال.

3) أما القوة الثالثة، فهي الشهوية، وهي البهيمية، وآلتها من الجسم هو الكبد، وبهذه القوة تكون الشهوة وطلب الفذاء والشوق إلى المآكل والمشارب وباقي اللذات الحسية.

لا يفوت مسكوية، أن يذكر أن هذه النفوس الثلاث أو هذه القوى الثلاث متباينة في اتجاهاتها، إذا قويت أحداها ضعفت الأخرى، كما أن أي واحدة من هذه النفوس أو القوى، تقوى وتضعف بحسب العادة والمران والتأديب، إذا اتجه إنسان إلى العلوم والمعارف قويت نفسه الناطقة واتجهت إلى الأمور العقلية والإلهية، وإذا اعتاد الشهوات والمآكل والمشارب، قويت عنده النفس الشهوانية، وقادته إلى لذائذ الأمور، أما إذا أدّب المرء نفسه على حب السيطرة والإقدام واقتحام الأهوال، فتقوى وتشتد عنده النفس الغضبية.

لا بد أن أشير هنا إلى إن فكرة تقسيم النفس إلى ثلاث نفوس أو ثلاث قوى، هي فكرة أفلاطونية، تأثر بها إلى حد بعيد تلميذه أرسطو ومن بعده جالينوس وأفلاطون.

كذلك فإن كثيراً من الفلاسفة الإسلاميين قد قسموا النفس إلى ثلاث قوى وبنوا كثيراً من آرائهم الأخلاقية على هذا التقسيم، أنهم أرجعوا سبب العدالة واكتساب الفضيلة من جراء التوازن بين قوى النفس الثلاث، وسيطرة القوة العقلية على القوة الغضبية والقوة الشهوانية، من أولئك الفلاسفة، اذكر أسماء الكندي والرازي والفارابي ويحيى بن عدي وأخوان الصفا ومسكوية وابن سينا والغزالي.

يخصص مسكوية جزءً كبيراً من كتابه (تهذيب الأخلاق) في صحة النفس وحفظها وردها إلى حالتها الطبيعية، فيما إذا اعتورها مرض من الأمراض، يرى مسكوية أن النفس تمرض كما تمرض الأبدان، أن أطباء الأجسام يقدمون على علاج أمراض بعد أن يفحصوا الجسم جيداً، ليتوصلوا إلى سبب المرض الجسماني، ثم يبدأون العلاج عن طريق الحمية والأدوية، التي ربما تكون خفيفة لطيفة في أول الأمر، وربما يتطلب الأمر بعد ذلك إلى القطع أو الكي بالنار.

النفس عند مسكوية، قوة إلهية غير جسمانية، غير أنها مرتبطة بالجسم، تمرض بمرضه وتصح بصحته، القول نفسه ينطبق على الجسم، فإنه يمرض بمرض النفس ويصح بصحتها، إذا لحق النفس سورة من الغضب أو أفرطت في الحزن أو العشق، نرى الجسم يتغير ويمرض، وربما يصيبه الاضطراب والهزال والاصفرار وبعض صنوف التغير التي تلحقه من جراء ذلك بمرض الاضطراب النفسي.

يرسم مسكوية ببراعة طريق العلاج النفساني، فيبدأ النصيحة في أن نتتبع بداية المرض في نفوسنا، ونرى هل أن سبب المرض متأت من ذات النفس، كالتفكير في الأشياء الرديئة أو الخوف من بعض الأمور، أو نتيجة لهيجان الشهوات، إذا كانت الأسباب في ذات النفس يكون العلاج بما يخص النفس ذاتياً، أما إذا كان السبب متأتياً من مرض جسماني، قصد هذا بالعلاج أيضاً.

يستشهد مسكوية كذلك بأطباء البدن، إذ أن هدفهم حفظ صحة الجسم، فإذا كان سليماً معافى، وأما رد الصحة إلى حالتها الطبيعية فيما إذا مرضت الأجسام، النفس كذلك، إذا كانت سليمة صحيحة، وجب المحافظة على سلامتها والتطور في تقدم كمالها، ومعالجتها إذا مرضت.

إذا كانت النفس فاضلة، تحرص على الميل إلى المعارف الصحيحة والعلوم الحقيقية، وجب على صاحبها أن يخالط الأخيار من الناس، الذين يحبون نيل الفضائل ويشتاقون إلى دراسة العلوم الحقيقية، حتى يحافظ المرء على نفسه الفاضلة، ويديم تربيتها بالاتجاه نحو الفضيلة.

في الوقت نفسه، عليه أن يحذر كل الحذر من معاشرة الأشرار الذين ليس لهم هدف سوى ارتكاب الفواحش والانهماك في اللذات الجسدية، ويبتعد أيضاً ما أمكنه الابتعاد عن أخبار هؤلاء المجان، وأن لا يقرأ أشعارهم أو يحضر مجلساً من مجالسهم.

أن ما يعلق بالنفس من أوضار الأشرار، لا يتخلص منها إلا بالعلاج الصعب والزمن الطويل، ربما يكون في ذلك سبب في فساد النفس الفاضلة، أن ذلك يكون أسهل للحدث الناشئ، لأنه سريع التقليد والأخذ عن الآخرين، أن الحدث يتأثر بسرعة، ولا يستطيع أن يفارق العادة المرذولة بالسرعة نفسها التي اكتسبها فيها.

إن المتمتع بكامل صحة نفسه، إنما يحفظ كنوزاً عظيمة، ونعماً موهوبة، لذا يجب المحافظة على صحة النفس هذه، لأنها موهبة لا تحتاج أن تأتيه من خارج، ولا تكلف بذل الأموال في سبيل الحصول عليها، أنه لو أهمل صحة النفس، فإنه ملوم في فعله هذا، لأنه يفقد كنزاً ثميناً لا يستطيع الظفر به بعد زواله، حتى ولو خسر الأموال وتجشم الأسفار وتعرض للمهالك، من دون أن يعيد إليه حالته الطبيعية الأولى، فتعقب الحالة الندامات الكثيرة والحسرات المفرطة، ويبقى صاحبها شديد الوجل مضطرب النفس مثقوب الجسم.

ينصح مسكوية للحفاظ على الصحة النفسية، أن يتبع الإنسان دائماً ما تشير به النفس الناطقة ويجعلها المدبرة لأمره، ولا يخضع لقوتي النفس الشهوانية والغضبية، إن هاتين القوتين الأخيرتين، تدفعان الإنسان دائماً نحو تحقيق الغايات السفلى من الحواس، بإصابة الشهوات والانغماس فيها، والاعتداء على ما للغير من مال أو أكرامات، أن على الإنسان أن لا يحرك هاتين القوتين، بتذكر أن أحديهما تضطر إلى استعمال النفس الناطقة، في سبيل تحقيق أغراضها، إلى العز والسلطان والغلبة أو إلى تحقيق ما تستطيعه من شهوات.

إن العاقل لا يفعل هذا، وليست هذه صفة من صفاته، بل هي صفة المجانين، إن العاقل من يغلب قوته العاقلة على قوتي النفس الآخريين، ويترك القوتين الشهوانية والغضبية لحالهما، أنهما تثوران وتهيجان عند الحاجة، وبما ترسمه لهما الطبيعة، فينال حاجاتهما الطبيعية.

لم ينس مسكوية أن يستشهد بتأثير الدين الإسلامي، أنه يذهب في القول، إلى أن التعادل الطبيعي هو إمضاء مشيئة الله وإتمام سياسته في البشر، لأنه تعالى وهب لنا هاتين القوتين، لنستخدمهما عند حاجتنا إليهما، لا لنخدمهما ونكون عبيداً لهما، يذهب مسكوية أبعد من هذا، حتى أنه يكفِّر الذي يضع نفسه الناطقة في خدمة النفس الغضبية والنفس الشهوانية، إن مثل هذا الإنسان – في رأيه- قد تجاوز أمر الله وتعدى حدوده، إضافة إلى أنه خالف العدل في سياسة نفسه، فهو بذلك ظالم لنفسه أبداً.

يعالج مسكوية إشباع القوتين الشهوية والغضبية بالاعتدال الذي هو أقرب للزهد منه للبطر، أنه يقول، ينبغي لمن رزق الكفاية ووجد القصد من السعادة الخارجية، أن لا يشتغل بفضول العيش لأنها لا نهاية لها، وأن من طلبها أوقعته في مكارة لا نهاية لها، أن القصد الطبيعي والغرض الصحيح منهما، هو مداواة الآلام والتحرز من الوقوع فيها، لا التمتع وطلب اللذة، إن من عالج الجوع والعطش، اللذين هما مرضان وألمان حادثان، عليه أن يطلب الراحة والصحة لا الإفراط في اللذة.

إن من لم يرزق الكفاية واحتاج إلى السعي في تحصيلها، يجب عليه أن لا يتجاوز القصد، بل قدر حاجته منها، لئلا يعرض نفسه إلى السعي الحثيث والحرص الشديد والتعرض القبيح المكاسب وضروب المهالك والمعاطب.

ينبغي إذن أن ننظر إلى أقواتنا بهذه العين، ونال منها لأجل الضرورة، علينا أن لا نشغل عقولنا بالتمتع ونفني أعمارنا بالتأنق، بل أن نسعى في طلب الغذاء الموافق لأبداننا، الذي لا يخلف لنا الوحشة والآلام.

ينبغي لمن يريد المحافظة على صحته، أن لا يحرك قوته الشهوية ولا قوته البدنية، بل يتركهما حتى يتحركا على الطبيعة، دون قهر ولا إلحاح، إذا اضطر الإنسان إلى تحريك قوة شهوية أو قوة غضبية، فعليه استعمال الروية واستخدام النفس الناطقة فيه لتدبر له الوصول إلى ما يشتهي ويريد.

ينبغي لحافظ الصحة على نفسه، أن يلطف نظره في كل ما يفعل ويدبر، عليه أن يستعمل آلات بدنه ونفسه بما يوجبه تمييزه ورويته، إن الإنسان الذي يخالف الطبيعة، سيعاقب نفسه ويتحمل من الآلام، بحسب أخطائه، إذ تناول مزيداً من الطعام بشره، فإنه سيضطر إلى معاقبة نفسه بالامتناع عن الأكل، بعد أن جرب مرارة الآلام.

أنه إذا حرك قوته الغضبية لسبب بسيط، أو أنه غضب غضباً في غير موضعه، أو على من لا يستحقه، فربما تعرض لسفيه يقابله بالبذاء، أنه ربما يندم بعد أن لا يفيد الندم.

الأولى بالإنسان إذن ضبط النفس والحلم عند ثورة الغضب، عليه حفظ لسانه واحتمال أقرانه، وهذا هو الطريق إلى الفضائل واجتناب الرذائل.

جدير بالإنسان إذن أن يتعود على الصبر على ما يجب الصبر عليه، والحلم عمن ينبغي أن يحلم عنه، جدير به أن يضبط النفس عن الشهوات الرديئة، قبل أن يفكر في دفع هذه الرذائل وقت هيجانها، لأن الأمر عند ذلك صعب جداً، وربما هو غير ممكن البتة.

يلح مسكوية على الشخص الذي يريد أن يحافظ على صحته النفسية أن يستقصي عيوبه، مسكوية في هذا الرأي يخالف جالينوس، الذي يرى أن الإنسان يحب نفسه، ولهذا فإن عيوبه طالما تخفى عليه. جالينوس يطلب من الشخص أن يختار صديقاً صدوقاً، ويطلب منه أن يرشده على عيوب نفسه، حتى يتغلب عليها ويطمس أثرها، يجب عليه أن يلح على الصديق، حتى يذكر له بعض عيوبه، فيظهر له الشكر والامتنان، ويتباسط معه، حتى يزيد ذلك الصديق إيناساً له وإظهاراً لعيوبه، التي يريد أن يقضي عليها قضاءً تاماً.

أقول أن مسكوية لا يوافق على نصائح جالينوس هذه بل هو يخالفها، مسكوية يعتقد أن أبعد وأنفع من الصديق في هذا الشأن، أن العدو - في رأي مسكوية- لا يتردد في إظهار عيوب خصمه، بل أنه قد يتجاوز إلى الاتهام بما ليس فيه عدوه، إن الذي يريد إصلاح نفسه، أن ينتبه إلى العيوب التي ذكرها الأعداء، أنه يحاول التغلب عليها وتجنب ما يغذيها ويزيد أوارها.

الصفحات