أنت هنا

قراءة كتاب فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

كتاب " فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية " ، تأليف د. ناجي التكريتي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

يعالج أرسطو مشكلة الوسط الأخلاقي، ويقول أن من الصعوبة حدها كالوسط الحسابي، يعطي مثلاً رياضياً هو أن العدد ستة يكون وسطاً بين العدد اثنين والعدد عشرة، لأن الستة تزيد عن الاثنين بمبلغ يساوي المبلغ الذي به زادت عنها العشرة.

هذا وسط حقيقي في التناسب، ولكن ليس هكذا يؤخذ الوسط دائماً، يضرب أرسطو مثلاً ظريفاً ، فحين يأكل رجل عشرة أرطال من الطعام، فهو أكثر مما يلزم، وإذا أكل رطلين فهو أقل مما يلزم، مع ذلك فليس من الصواب أن ننصح كل واحد أن يأكل ستة أرطال من الطعام، ربما أن ستة أرطال من الطعام تكون ضخمة لشخص وغير كافية لشخص آخر، إن الإنسان الحكيم العاقل إذن من يجتنب الإكثار والإقلال ويكتفي بالوسط، الذي هو الاعتدال المناسب.

أننا قد نطلق على شيء متكامل كلمة المتوسط، ونريد مدحه ونصفه بالكمال، نقول عن شيء متقن، ونحن نحاول إطراءه، أنه لا يمكن أن ينقص منه شيء ولا يزاد عليه شيء، وهكذا إذا كان الإفراط والتفريط يفسدان الكمال، فإن الوسط يؤكده. أننا دائماً نضرب المثل الذي يقول: خير الأمور أوسطها.

الوسط الأخلاقي إذن هو الكمال الذي لا يوجد إلا في الفضيلة، والفضيلة هي الوسط الذي نطلبه بلا انقطاع.

أما الرذيلة فتتجلى بالإفراط أو التفريط، الإفراط بالأكثر خطيئة والتفريط في الأقل خطيئة وكلاهما مذموم.

يذهب أرسطو في الرأي إلى أن إتيان الشر سهل، أما الخير فهو صعب، أنه يضيف انه من السهل أن تخطئ الغرض، ومن الصعب أن تصيبه، وهذا هو السبب في أن الإفراط والتفريط يتعلقان بالرذيلة، أما الوسط فهو وحده متعلق بالفضيلة.

يذكر أرسطو بعض الأفعال والانفعالات، أنها ليست إفراطاً ولا تفريطاً، ولا وسط لها، مع ذلك فهي شرور ورذائل: مثل قابلية التلذذ بمصائب الغير والفجور والحسد، وكأفعال الزنى والسرقة والقتل، إن كل هذه الأشياء خبيثة وقبيحة لا بسبب إفراطها ولا تفريطها، أنها اقتراف آثام فحسب.

حين يذكر أرسطو بعض الفضائل، فإنه يشير إلى الإسراف أو التقصير الذي يخصهما، الشجاعة عنده وسط، وأما الإفراط فيها فهو تهور، والتفريط هو جبن، الاعتدال هو الوسط في ممارسة اللذات التي لا يلحق بها آلام، أما الإفراط في اللذات فهو ممارسة اللذات التي لا يلحق بها آلام، أما الإفراط في اللذات فهو الفجور والتفريط هو الخمود، ما يهم العطاء والتصرف بالأموال، فإن الوسط هو السخاء، والإفراط هو الإسراف، أما التفريط فهو البخل.

يذكر أرسطو صفات وسجايا لا يريد أن يغفل عنها، أنه يقول إذا كان السخاء صفة صاحب الأموال، فإن الذي عنده الاستعداد نفسه ولا مال عنده، فبدلاً من السخاء يتميز بالأريحية.

إفراط الإريحية سوء الذوق والزهو الغليظ، أما التفريط فهو التقتير أو التصاغر، أما في أمور الشرف فإن الوسط هو كبير النفس، والإفراط هي الوقاحة والتفريط صنعة النفس.

أما في ما يخفى الغضب، فإن الوسط هو الحلم والإفراط هو الخلق الشرس والتفريط الفتور للذي لا يعرف الغضب، بالنسبة للصدق، فالوسط يسمى الصدق، والرجل يسمى رجل صدق، إذا غلا وأفرط في الصدق يسمى نفّاجاً، وإذا كان منه العند يسمى تعميمه، والرجل معمياً.

ما يتعلق باللذة، ففي المزاح يسمى الرجل الوسط، أنه بشوش، وإذا أفرط تحول إلى السخرية، وإذا كان منه الضد تحول إلى الفظاظة، وفي ما يتعلق بالحياة العادية، فالرجل المقبول بعامة هو الصديق، أما الذي يغالي ويفرط فهو المتملق، والذي يكون غير المقبول إلى حد التفريط فهو الشرس الصعب في التحمل.

في الانفعالات الشخصية يقرر أرسطو أن التواضع ليس فضيلة، ولكنه يعقب بأن الإنسان المتواضع موضع ثنائياً، المهم في هذا إن على الإنسان أن يلزم الوسط، لأن الذي يشعر بالإفراط في حالة وجدانية معينة يحمّد وجهه ويشعر بالحيرة، أما الذي يأثم بالتفريط ولا يحمّدن شيء مطلقاً فهو عديم الحياء، والوسط بين هذين الإفراطين هو الإنسان المتواضع.

يدقق أرسطو في أحوال الأوسط إلى الدقة المتناهية، بحيث لا يرد أن يفوته شيء دون أن يذكره ويشبعه نقاشاً، أرسطو يرى أن كثيراً من المساوئ تبدو نوعاً من المحاسن، وبعض التفريغات تبدو إفراطات، ويصدق القول على الضد، فإن بعض الإفراطات تبدو تفريطات.. وهكذا.

يعطي أرسطو أمثلة على ذلك، فيقول أن الرجل الشجاع يظهر متهوراً إذا قورن بالجبان، ويظهر إلى جانب المتهور جباناً، الإنسان المعتدل يظهر فاجراً إذا قورن بالخامد، والمعتدل نفسه يظن خامداً بالنسبة للفاجر، السخي يظهر مسرفاً بالإضافة إلى البخيل، ويظهر بخيلاً بالنسبة للمسرف.

في نسبة الطرفين إلى الوسط، تارة يكون التفريط هو الأكثر تضاداً، وتارة يكون الإفراط. الرذيلة الأكثر تضاداً مع الشجاعة ليست التهور الذي هو إفراط، بل الجبن الذي هو تفريط، على الضد نجد في الاعتدال، فإن الحل الذي يبتعد عنه أكثر ليس هو اللاحساسية التي هي عيب التفريط، بل هو الفجور الذي هو عيب الإفراط.

يحلل أرسطو ذلك، فيقول أن طبعنا يميل بنا أكثر إلى اللذات، وهذا هو الذي يجعلنا ميالين إلى عدم الاعتدال، أكثر منا إلى القناعة والزهد، لهذا نجد أنفسنا تخرج عن الوسط إلى الإفراط أكثر منه إلى التفريط.

من هنا يجد الإنسان مشقة في أن يكون فاضلاً، لأن إدراك الوسط صعب جداً في كل شيء، ولهذا كان الخير يجد نفسه نادراً وممدوحاً وجميلاً، ليس أمام الإنسان إذن وهو الضد في زمّ نفسه، وعدم الاندفاع نحو الخطيئة.

إننا إذن ملزمون نحو اختيار الوسط، على الرغم من الصعوبة باتخاذ القرار ، ولاسيما في الحياة اليومية، أن الإنسان لا يعرف متى سيغضب ومتى سيكون حليماً، على الإنسان أن يدرك أنه سيكون ممدوحاً، إذا ما تصرف تصرفاً حكيماً، ليضع نصب عينيه إن الاعتدال في كل شيء حالة ممدوحة، ولهذا يحاول الابتعاد عن كل إفراط أو تفريط لأنه بالسيرة الوسط سيكون ممدوحاً وخيّراً.

ينتبه أرسطو إلى أفعال نفعلها بكامل إرادتنا على أننا مرغومين على فعلها، أنه يطلق على هذه الأفعال إرادية وأنها في الوقت نفسه غير إرادية، أننا نفعلها وإرادتنا معنا، على أننا نفعلها مضطرين غير راغبين.

يعطي أرسطو مثالاً على شخص يقع تحت حكم السلطان جائر مستبد، ذو سيادة وسطوة على أولاده وأقربائه، وهذا السلطان يجبر الرجل على آتيان فعل مخز، حتى ينجي أفراد عائلته وإلا يهلكهم السلطان، مثال آخر، هبوب عاصفة، تكاد تغرق السفينة في وسط البحر إذا لم يرمى شيئاً حمولة من السفينة في البحر، كي تخف وتنجو من الغرق.

أرسطو يقول إن الإنسان يفعل مثل هذه الأفعال خشية أضرار أكبر منها، أرسطو يطلق عليها مصطلح: الأفعال المختلطة، أنها إرادية وغير إرادية، لا يوجد إنسان يقدم على أفعال مخزية أو أن يرمي أموال في البحر، أنه فعل ذلك بكامل إرادته، فهي أفعال إرادية، وأنه مجبر على أدائها فهي أفعال لا إرادية.

لا شك أن من يقدم على مثل هذه الأفعال يقابل باللوم والاحتقار، وربما يلحقه العار والألم من جراء ما أقدم عليه في الوقت نفسه، ربما يمدح ويكرم، إذا كان الهدف شريفاً، أو على الأقل ربما يغفر له الآخرون فعلته، إذا ما أدركوا الأسباب التي أجبرته على ما أقدم عليه من فعال.

يتساءل أرسطو بعد ذلك، عن الأفعال التي نعدها لا إرادية وقسرية، هل سببها عوامل خارجية، أو أنها أفعال ذاتية، يفلسف أرسطو الحالة، فيقول أن أفعالنا هي دائماً تابعة للأحوال الخاصة، والأحوال الخاصة تتعلق بإرادتنا، مع هذا فإن أرسطو يضيف أنه من الصعوبة الجزم، لأن هناك ما لا يحصى من الفروق الدقيقة التي تستتبعها الظروف الخاصة.

الصفحات