أنت هنا

قراءة كتاب علم اجتماع المعرفة عند ابن خلدون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علم اجتماع المعرفة عند ابن خلدون

علم اجتماع المعرفة عند ابن خلدون

كتاب " علم اجتماع المعرفة عند ابن خلدون " ، تأليف د.

تقييمك:
2
Average: 2 (1 vote)
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 8
1. المعرفة ودورها في تجاوز التغير
 
يقوم الفكر الصيني على أساس ما يعرف بالثنائية المتآلفة، ثنائية (الين) المرموز اليه بشرطة متقطعة (ـ ـ)، و (اليانج) المرموز اليه بشرطة متصلة (ـ)([31])، هذه الثنائية التي تؤدي دورين رئيسيين :
 
آ . إنهما (الين واليانج) أول ما خلق من قبل (التاو) وهو يماثل العقل الأول عند الفلاسفة والذي خلق بعدهما (التثليث)، والألوف المؤلفة من الأشياء، فلولا وجودهما لما كانت هناك حياة.
 
ب . إن هذه الثنائية تلعب دورا رئيسيا في خلق الآلفة والتجانس ما بين الألوف من المخلوقات([32]).
 
إن الثنائية المتآلفة تمثل فكرة الموجب والسالب في علاقة متبادلة قائمة على أساس التباين المتعادل، فاليانج هو العنصر المتين الخشن، الموجب، الحامل للحركة، ويرمز الى عنصر السيادة، فكل علاقة سواء كانت طبيعية ام اجتماعية لابد أن تتضمن عنصر التسلط، فعلى صعيد الطبيعة مثلا : يمثل النهار عنصر الموجب. وعلى الصعيد الاجتماعي يمثل الحاكم ـ السيادة ـ عنصر الموجب، بينما يكون (الين) العنصر السهل اللين المذعن، السالب والليل مثال الطبيعة أما الرعية (الشعب) فمثال الاجتماع الإنساني.
 
ورغم طابع التباين ما بين علاقة الموجب والسالب، إلا أنها علاقة منسجمة يكمل كل طرف فيها الطرف المقابل. فهي ليست ثنائية منفصلة، كما عهدناها في الفلسفة الغربية كثنائية الخير والشر مثلا، وإنما ثنائية متصلة، واحدة، منسجمة قامت على أساسها جل الحياة الاجتماعية الصينية([33]).
 
إن المعرفة لدى الصيني ليست بحصيلة لما هو ثابت، فالدرس الأول الذي خلص إليه مفكروا الصين من ثنائية (ألين واليانج) إنما هو التغير، إذ ليس هناك من ثبات يعرفه الصيني غير التغير والحركة، فالأشياء حسب المعتقد الصيني تميل بفطرتها الى التغير والكون يحمل بين طياته الزيادة والنقصان، القدوم والذهاب فلا نهاية اطلاقا لعملية التغير، لأن ما يأتي يجب أن يذهب، وما يذهب يجب أن يأتي مرة أخرى([34]).
 
لقد عكس الفكر الصيني لا نهائية التغير بطبيعة أو شكل حركته، فاتجاه التغير لم يكن أماميا صاعدا، له نقطة بدء، ونقطة محتملة للنهاية، وإنما جعلت حركة التغير دائرية الشكل ý، ليس لها نقطة بداية أو نهاية، فما هو نقطة بدء يمكن أن يكون نقطة انتهاء، والعكس صحيح، وما الموت عند الصيني إلا وجها من أوجه التغير، فالإنسان عندما يموت يتغير وجوده في الحياة الى وجود ذي شكل آخر، أي أنه ليس هناك من نهاية في الموت، وإنما تغير وحسب في مكان الوجود([35]).
 
لقد أفضت فكرة التغير هذه الى فكرة التناسخ، فطالما لا توجد بداية أو نهاية، فإن الأرواح لا تنتهي حياتها، إذ أنها تحل ـ بعد موت أصحابها، وتحررها من الابدان ـ في كائنات حية جديدة بشرية كانت أم حيوانية وتبدأ حياتها الطبيعية من جديد في عالم ووجود جديدين.
 
وقد ربط الصيني هذه الفكرة الفلسفية (التغير) بواقع الحياة العملية فإذا كان كل شيء ينقلب الى نقيضه إذا ما وصل الى منتهاه، فعلى الرجل العاقل أن يتخذ اهبته للأحداث التي تفد مع التغير([36])، فالإنسان الذي تتحصل له معرفة أبعاد التغير، وما ينجم عنه، هو الإنسان العارف، الذي يستطيع أن يسخر المعرفة التي اكتسبها في سبيل الاستمرار بالحياة الصحيحة الآمنة وبذلك أفرزت المعرفة الصينية الأبعاد العملية لها، باتخاذ المنطق وسيلة لتجنبها عوادي الحياة المتغيرة.

الصفحات