أنت هنا

قراءة كتاب حبي الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حبي الأول

حبي الأول

كتاب " حبي الأول " ، تأليف سحر خليفة ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب : 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 6

2

قالت سِتِّي:

- اليوم نروح عند أم نايف نسأل عن خالك في عصيرة.

لم أجبها لكني أحسست بمزيج غريب من فرح مكبوت وخوف غامض. كان الثوّار قد ملأوا الجبال بحكاياهم. تفجير ألغام وخطف جنود وقنص ومشانق ومساجين. وكانت طائرات الإنجليز تحوم في الجو مثل الغربان تقذف قنابل ومنشورات فوق القرى في رؤوس الجبال. ونابلس محاطة بقراها كأم الأولاد، والقرويون، أحيانا هنا وأحيانا هناك. يبدأ القصف فأراهم في سوق المدينة وباب الساحة معظمهم نساء مع الأطفال يحملن سلال العنب والتين واللبن والجبن والخبيزة. لكن سِتِّي قالت لي إن النساء القرويات أقوى وأجدع. أجدع ممن؟ أجدع من نساء المدينة، لأن سلال العنب والتين تحوي أشياء ممنوعة تصل الثوّار مثل خالك. يعني خالي مثل الثوّار. يعني الثوّار مثل خالي. يعني خالي في القرية هناك مع الثوّار. يعني خالي في القرى هناك بين الثوّار في رؤوس الجبال بين الصخور والمغر والشوك وشجر الصبار. وأنا وسِتِّي نذهب مشيا لأن الجبال بلا شوارع ولا سيارات ولا حتى حمير. قصة طريفة يرددها الناس عن اعتقال البغال والحمير. أنا ضحكت وبكت سِتِّي وأمي صاحت: يخرب بيتهم، حتى الحمار؟! كان الإنجليز قد أوقفوا قرويا وحماره. فتشوا القروي وحماره فوجدوا شفرة، شفرة عتيقة صدئة مكسورة إلى نصفين، فقالوا عن الشفرة أسلحة وعن الفلاح ناقل أجهزة ممنوعة وعن الحمار وسيلة نقل. اعتقلوا الفلاح وأجهزته ووسيلة النقل اعتقلوها. ضربت سِتِّي يدا بيد، وقالت والدموع في عينيها: منهم لله، جاييهم يوم. وذاك اليوم جاء فورا. في ذاك الليل هجم الثوّار على دورية وأبادوها، عشرة، عشرين، ثلاثين، أربعين، لا أحد يعرف بالتحديد، لأن الأعداد تتزايد، في كل مرة تتزايد. مع الانتقال من دار لدار، من حي لحي، ومن القرية للمدينة، تزيد الأعداد وتتوالد، تصبح أكثر، أكثر بكثير. وكذا الثوّار، أكثر بكثير. والقتل والضرب والطيارات، أكثر بكثير.

قالت سِتِّي:

- اليوم نروح عند أم نايف.

أم نايف تلك بياعة لبن وتين وفقوس. في موسم الصيف تأتي بالعنب والتين والفقوس ولبن وزبدة. وفي فصل الشتاء تأتي بالحلبة والفريكة وعدس وبرغل. وفي الربيع تأتي بالخبيزة والشومر والميرمية وسلال العكوب غير المعكّب. تجلس مع سِتِّي في الليوان بعد أن تنهي جولتها على كل البيوت وتأخذان بتعكيب العكوب، وتنقيب القمح والفريكة، وتحكيان قصص الدنيا. أبو حمزة تزوج على مرته، وأم جابر زارت أولادها بسجن الرملة، ودار المختار اقتحموها مع آذان الفجر وما خلوا حاجة مطرحها. خلطوا الرز والسكر والسمنة، وشقّوا الفرشات والمخدات، وقلبوا الخزائن والدبيّات وجرار الزيت والمرطبانات وحتى الدجاجات طيروها. شو تقولي عليهم يا حجة؟

تجيب سِتِّي، وهي ما زالت تنقب وتمسح العرق عن حاجبها:

- منهم لله، ربك كبير على كل ظالم، جاييهم يوم.

تهتف أم نايف بحرارة:

- إيمتى يا حجة؟ إيمتى ييجي؟ لا اليوم ولا بكرة ولا بعده، خلص زهقنا، طلعت روحنا، نفسنا انقطع وحالتنا تصعب عالكافر. هم كفّار يا أم وحيد. اليهود كفّار والانجليز أكفر. لا دين ولا رب ولا حتى كعبة يزوروها. حتى القيامة قاموها وربك شايف وسامع وساكت! شو تقولي عليهم يا حجة؟

تقول سِتِّي مهدئة:

- يمهل ولا يهمل. حسابه شديد يوم القيامة. جاييهم يوم.

تكاد أم نايف تبكي:

- إيمتى يا حجة؟ الناس هلكوا، واولادنا شردوا في الجبال وطفحت الحبوس، والموسم راح على أصحابه. حتى الزيتون ما غلّ ولا حمل، ولا دار الزيت في عروقه. قحل ومحل ويهود وانجليز، شو عملنا يا ربي وسوّينا؟ وابنك وحيد شيخ الشباب شو أخباره؟

تحدجها سِتِّي بتفحص:

- أخباره عندك يا أم نايف. عندك أخبار كل الثوّار.

تضحك أم نايف وتلوح يدها المدقوقة بوشم قديم:

- لا عندي علم ولا عندي خبر. ينصرهم ربي ويجبرهم، قولي انشا الله.

ولا تقول سِتِّي انشا الله، بل ترفع رأسها وتحدق:

- أنا بدي وحيد، خبر عن وحيد، من تحت الأرض يا أم نايف!

تحدجها أم نايف بنظرة حذرة:

- الصبر مليح يا أم وحيد، قولي انشا الله!

الصفحات