أنت هنا

قراءة كتاب التربية بالحوار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التربية بالحوار

التربية بالحوار

كتاب " التربية بالحوار " ، تأليف عبد الرحمن النحلاوي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

مثال من الحوار القرآني على مراحل الحوار

لما كان الحوار القرآني البرهاني[5] الذي يثبت بطلان عبادة غير الله، ويدعو إلى توحيد الله بالعبادة، موجّهاً أوّلاً إلى المشركين، وهو الذي يمكن تحليله إلى هذه العناصر أو المراحل التربوية، ولما كان المشركون قد لجّوا في عنادهم وطغيانهم فلا يُتَوقع منهم أن يتجاوبوا مع هذا الحوار القرآنيّ؛ لذلك سنرى أن القرآن يتولى صياغة أسئلة وأجوبة تغْني عن جواب المشركين، ليقيم عليهم الحجة بها، وليتم تقرير ما يُراد تقريره، مما يَلزَمُهُم الإقرار به، بالبرهان والحجة، لزوماً منطقياً ناشئاً عن بداهة المقدمات التي صيغت في أسئلة المرحلة الأولى التي تحكي واقعهم أو تعبر عما هو مشاهد بالحسّ والواقع، فلا يمكن إنكاره.

والمثال التالي خير دليل على ذلك، وهو الحوار القرآني مع المشركين الوارد في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ *} [يونس: 10/31-32] . فهذا حوار يقوم على سؤالهم عما يعترفون به من فضل الله ورزقه.. ذلك أن مشركي العرب لم يكونوا ينكرون وجود الله، ولا أنه الخالق والرازق والمدبّر. إنما كانوا يتخذون الشركاء للزُّلفى[6]، أو يعتقدون أن لهم قدرة إلى جانب قدرة الله، فهو يأخذهم بما يعتقدونه، ليصحح لهم عن طريق هذا الحوار الذي يوقظ وعيهم الفطري، ذلك الخلط والضلال الذي كانوا واقعين فيه؛ لذلك أمر نبيه أن يحاورهم ويسألهم:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} من المطر الذي يحيي الأرض، ومن طعام الأرض: نباتِها وطيرها وأسماكها وحيوانها.

وذلك هو ما كانوا يدركونه ويحسّونه حينذاك من رزق السماء والأرض، ثم سألهم الله تعالى: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} يهبها القدرة على أداء وظائفها أو يحرمها، ويصحّحها أو يُمرضها؟

ثم سألهم جلّ جلاله: {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} فالساكن في نظرهم وعُرْفهم هو الميّت، والنامي المتحرك هو الحي، وهذا هو المشهود عندهم في خروج النبتة من الحبّة والحبّة من النّبتة. وإنّ وقفة تأمُّلٍ أمام الحبة والنّواة تخرج منهما النبتة والنخلة، أو أمام البيضة والبويضة يخرج منهما الفرخ والإنسان، لكافية للدلالة على عظمة الخالق ودقة صنعه وإبداعه. وإلاّ فأين كانت تكمن السنبلة في الحبة؟ وأين كان يكمن العود؟ وأين كانت تلك الجذور والساق والأوراق؟.. وأين في البيضة كان الفرخ؟ وأين كان يكمن العظم واللحم، والزَّغَب والريش، والزقزقة والصوت؟.. وقل مثل ذلك في الإنسان وملامحه وسماته ونبرات الصوت ونظرات العين؟

ـ {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} في ذلك كلّه وفي سواه من شؤون الكون وشؤون المجتمع والحياة والبشر؟ من يدبر النظام الذي يحكم حركة الأفلاك على هذا النحو الدقيق؟ {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} إنهم لا ينكرون وجود الله، ولا ينكرون قدرته وتدبيره في هذه الشؤون، بل يعترفون بذلك ولكن انحراف الفطرة كان يقودهم مع هذا الاعتراف إلى الشرك بالله. فيتوجّهون بالخشوع والشعائر إلى سواه. كما يتّبعون شرائع لم يأذن بها الله، لذلك وجّه الله إليهم سؤالاً ينكر هذا الانحراف، ويبعث فيهم خشية الله: {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أفلا تخشون الله الذي يرزقكم من السماء والأرض، والذي يملك سمعكم وأبصاركم، والذي يدبر الأمر كلّه؟ وهكذا يدعوهم إلى خشية الله الذي ينتقم من كل من يشرك به.

وبهذا يدعوهم إلى توحيد الله. فالذي يملك هذا كله هو الله، وهو الربّ الحقّ. فمن تجاوزه إلى عبادة غيره فقد ضل وزاغ عن الحق إلى الضلال والضياع. لذلك قرر لهم هذه الحقيقة وبنى عليها سؤالاً ينكر انحرافهم {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ}. {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}.

ـ {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} كيف تبعدون عن الحق إلى الضلال، والحق واضح بَيّنٌ تراه العيون؟ وفي هذا دعوة لهم وتوجيه إلى العودة إلى الحق والصحوة من هذا الضلال والضياع، والحذر ممن يصرفهم عن الحق ويُوَسوس لهم ليزيّن لهم الباطل...

التحليل التربوي لهذا المثال :

يمكننا أن نشير إلى العناصر التربوية في هذا المثال فنذكر الدلالة التربوية لكل قسم من هذا النص القرآني، وقد عرضناه مع تفسيره بما فيه من أسئلة حوارية أو تقرير لأجوبة المشركين..

1ـ فالعنصر الأول أو المرحلة الأولى تتجلّى في أسئلة تكشف ما عند المخاطب من معلومات حول الموضوع الذي يراد مناقشته وتقريره. وقد جاءت في هذا المثال، في قوله تعالى يسأل المشركين:

الصفحات