أنت هنا

قراءة كتاب فاطمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فاطمة

فاطمة

كتاب " فاطمة " ، تأليف نور مؤيد الجندلي ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

لكنها لم تكن تبالي بتعليقاته، فلا تلبث تعودُ للابتسام، وتبدأ بسردِ حكاية مفاوضاتها مع الباعة، وهي تنظرُ إلى الشّوارعِ والأطفال، وتتابعُ أحاديثها اليوميّة، لا تعبأ أن زوجها لا ينصتُ إليها، بل إلى نشرة الأخبار عبر الإذاعة، ولا تعترض على كون نشرة الأخبار أيضاً مكرّرة، ومملّة؛ فهي غالباً ما تكون راضية سعيدة بما أنجزت، وحديثها معه إنما هو حديث قصير مع نفسها، لترضى بما قامت به، ولترفع روحها المعنوية، فترسم الأحلام العريضة، والمشروعات الكبيرة من عرق جبينها.

كان وجه فاطمة صافياً جذاباً أكثر من كونه جميلاً، لونه الحنطيّ يُذكّر بالكفاح، وتقاسيمه البارزة تنطقُ بالسّموّ والصّدق، أنفُها المستطيل يُشعر بإبائها، ولون القهوة في عينيها يشعر بالنشاط والحيويّة، هي طفلة إذا تحدّثت رغم طولها الفارع، وبِنيتها القويّة، وهي طفلة وإن ارتدت جلبابها الأسود الفضفاض، ووضعت غطاء رأسها ذا الألوان الهادئة. وهي طفلة مهما فاوضت وباعت واشترت، تلك الطفولة التي كانت دائماً تُبدّد الكدر وتمسحه عن قلب زوجها المُتعب.

كان الباعة كثيراً ما يتساءلون عن هذا الرّجل الطويل الأسمر الكسول الذي يلقي على عاتق زوجته كلّ المهام المتعِبة، والقوةُ لا تخفى في تقاسيم وجهه وبِنية جسده...

كثيراً ما انتقدوا جلوسه مرتاحاً على مقعد سيّارته بلا حراك، دون أن يكلف نفسه بالنهوض لمساعدة زوجته، أو حتى مفاوضة الباعة والاتفاق معهم، مما يأبى تصرفاته أي رجل شرقيّ، وكثيراً ما سمعتهم فاطمة يتهامسون شفقة عليها، واعتراضاً عليه، لكونه يفتقر إلى الذوق والأخلاقيات العامة، فتلتزم الصّمت أحياناً، أو تخبرهم باقتضاب أنه مريض، ومرضه لا يسمح له بحمل أي شيء ثقيل، تتجنب في كل ذلك أن يسمعها، لئلا تثور ثائرته، ويحيل نهارها إلى نكد هي في غنى عنه.

في الماضي كانت هي التي تقوم بصنع اللبن، وهو يساعدها في ذلك، ومن ثم يتولى مهمة التوزيع، وقد كان يقوم بكلّ المهام وحيداً، قبل أن يعاني من عموده الفقري، وقد اختلّت فقراته فسببت له كثيراً من ألم، على أثر سقطة شديدة من أعلى السّلم، وذلك في بيت أهله القديم ذي الدرجات الضخمة، التي تحتاج إلى جهد كبير في تسلقها لقسوتها وخشونتها، تلك السقطة التي دفعته لأن ينزلق درجة بعد أخرى بسرعة البرق، ثم يرتطم أرضاً، وقد كاد يفقد الوعي لفرط الألم وضيق التنفّس، وما زال لتلك السقطة أثر ظاهر على حركاته، حتى بات أي مجهود يشكل له عبئاً، حتى قيادة السيارة كثيراً ما أشعرته بإجهاد وتعب، لكنه لم يكن ليظهر تعبه، فهو دائماً يكابر ويتحامل على نفسه، ليبقى محتلاً دوره في المنزل دون إحداث خلل، لكن ذلك كثيراً ما يؤثر سلباً في مزاجه، ويجعله مثل بالون قابل للانفجار في أيّة لحظة، وفاطمة هي الدواء دائماً، فقد آلت على نفسها ألا تضطره إلى الانفجار أبداً...

الصفحات