أنت هنا

قراءة كتاب البقاء على قيد الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البقاء على قيد الكتابة

البقاء على قيد الكتابة

كتاب " البقاء على قيد الكتابة " ، تأليف عبد العزيز محمد الخاطر ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

الفصل الاول
في النقد

حول النقد والتعويل عليه

تمثل الحالة النقدية حالة صحية لأيّ مجتمع، ولا يمكن تصور المثقف، أياً كان، سوى أن يكون ناقداً باحثاً عن الأقرب للكمال قدر المستطاع، ولكن النقد ذاته، لكي يسمى نقداً، يحتاج لأن يكون المجتمع نفسه مجتمعاً صحياً يتعافى بالنقد ومع النقد، ويتفاعل معه كذلك بإيجابية وفاعلية، والأمر لا يستوي كما ينبغي إلا في حالة تكامل مكونات المجتمع الحقيقية، من سلطة ومجتمع مدني وآخر أهلي، تدعم جميعها الدولة وتقوي بنيانها·

عندما يتحول النقد إلى حالة من القرف والغثيان والاقتتال، وربما أبعد من ذلك، إلى تشرذم وانطفاء الحالة الإنسانية وبروز المرجعيات الأولى، يدرك المرء أن المجتمع يعاني مرضاً، هو بالضرورة غياب المجتمع المدني ومؤسساته؛ لأنّ السلطة دائماً لا تغيب إلا في حالات نادرة، ولذلك تتأثر الحالة النقدية، ويظهر عليها أعراض المرض، ويمكن إجمالها في التالي:

1- تزايد حمى النقد وتشظيه.

2- يفتقد القوة الدافعة والوسيلة الفعالة (برلمان وصحافة حرة ونقابات مهنية··· إلخ) لكي يتجذر كمطلب شعبي.

3- يتحول إلى هدف بذاته، ويصبح ديدن الجميع، ولكن دون بوصلة واضحة.

4- يدخل الجميع في معارك خادعة للتصفية وتحديد المراكز لإثبات الوجود؛ لشعور الجميع بلا قيمة، لانفصام الواقع وعدم تأثره بذلك.

5- تسود الشخصية الدون كيشوتية الباحثة عن البطوله بأيّ ثمن.

6- يسحب الواقع المنفصم اللغة والثقافة إلى جانبه رويداً رويداً، ليتحول الجميع إلى مجارين مصفقين للموجود حتى على حساب ما كان يمكن أن يوجد أو يتحقــق·

عندما يتحول النقد ليصبح واقعاً بذاته، وينتقل الواقع الفعلي ليبدو حالة ذهنية نحسها ونستشعرها، ونتعامل معها على أساس لا انفكاك، في حين لا نستطيع التأثير فيها أو فيه تنتفي بالضرورة مهمة النقد الأساسية·

ثمـَّة حالة وسطى تعيد التوازن للأمور -أشرت إليها مسبقاً- يتحول معها النقد إلى إجراءات وخطوات ووسائل في اتجاه خيّر· ثمـَّة مستوى وسيط يتبنى أطروحات المجتمع ويتدارسها، ويحولها بعد تبنيها إلى اقتراحات قانونية تصب في مصلحة المجتمع وأفراده· معظم التشريعات المهمة والعظيمة في تاريخ الدول كانت في بداياتها رأياً ونقداً لوضع تلقفته أدوات المجتمع المدني -سواءٌ كانت برلمانات أو صحافة حرة أو نقابات بأشكالها- وتبنته ليتحول بعد ذلك مع الدورة الديمقراطية المعروفة إلى اقتراحات، ومن ثمّ قوانين وتشريعات يشمل تأثيرها الإيجابي ومداها من حيث شموليتها المجتمع بأسره·

ثمـَّةً آليتان لابد من المرور بهما لمجتمعنا، نستطيع معهما تحويل ثرثرتنا الناقدة إلى الطريق الصحيح والفعال، نفعاً للوطن ودعماً للقيادة؛ أولهما تحكيم الدستور واحترامه، وثانيهما ترك بذرات المجتمع تنمو دون تدخل، وتحول الدولة إلى دور المنظم فقط، وابتعادها عن دور الصانع أو الفارض له، لكي يثمر مجلساً نيابياً فعالاً اكتمل نموه أو في طريقه إلى ذلك·

إنّ إرادة الدولة الحقيقية نابعة أساساً من مجموع إرادات أفرادها وعددهم دون استثناء·

الصفحات