أنت هنا

قراءة كتاب البقاء على قيد الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البقاء على قيد الكتابة

البقاء على قيد الكتابة

كتاب " البقاء على قيد الكتابة " ، تأليف عبد العزيز محمد الخاطر ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

إشكالية النقد في مجتمع منجز

الفرق بين التعامل مع الواقع وبناء الواقع نفسه يحدد في اعتقادي وظيفة النقد في المجتمع، المجتمع الذي بنى نفسه يختلف عن المجتمع المُنجز؛ الأول شارك النقد في بنائه، بينما الآخر اكتفى النقد بالإشارة إلى عثراته ومشاكله وتخبطاته· وأقصد بالنقد هنا حركة المجتمع ورؤيته حول حاضره ومستقبله· النقد في الأول حركة بنيوية، بينما في الآخر بنية فوقية، قد تتعمق إذا ما سمح لها، وقد تكتفي بوضعها الفوقي، وتؤرشف في أدبيات المجتمع لا غير· يقوم النقد في المجتمع الأول على المثقف العضوي، بينما ينتزع الصدارة في الثاني المثقف التقليدي، وقد يعاني رديفه الأمرين· في المجتمع الأول الذي بنى إنجازه الصحافة نابعة من المجتمع، بينما في الآخر هي انعكاس للمنجز ذاته· القانون في الأول يسري في أوصال المجتمع لا يستثنى منه وصل دون غيره، بينما في الآخر هو ضمن مشاريع الخصصة التي تعج بها مجتمعاتنا المنجزة· السياسة في المجتمع المبني هي ديناميكيته وحراكه، بينما هي في المجتمع المنجز رجس من عمل الشيطان· المواطن في الأول لبنة من لبناته، بينما في الآخر ضيف يـُنتظر منه خفة الظل وإلا الباب يسع جمل، الكُتّاب في المجتمع الأول عيون وآذان، بينما في الآخر شلة من المتطفلين والزائدين عن الحاجة· الثقافة في المجتمع الأول بناء وهيكل، بينما في الآخر رداء قد يلزم وقد لا يلزم· في الأول الثروة وسيلة، بينما في الآخر غايه وهدف، في الأول المستقبل يسكن القلب، بينما في الآخر الحاضر أحلى ولا شيء غيره· في الأول يجري التغيير بطريقة نقدية ذاتية وكمراجعات، بينما في الآخر يمارس النقد قصفاً في بنية صلدة ليس هو من أجزائها أصلاً · في الأول هو ذاتي الوجود، بينما في الآخر هو مختلق، وربما من لوازم الشرعية في هذا العصر إيجاده· على كل حال، الطريف في عالمنا العربي أنّه حتى في المجتمعات التي بنت إنجازها -كالجزائر مثلاً وغيرها- لم تستطع التعامل مع هذا الإنجاز كجزء أساسي منه، فبقيت مع غيرها سواءٌ بسواء، هذا يطرح سؤالاً حول طريقة بناء الإنجاز ذاته، ومن استغله دون الغير؟ فالمجتمعات التي كافحت لنيل الاستقلال، لم يخطر ببالها يوماً ً أنّها بحاجة لاستقلال آخر من الداخل، فبالتالي كانت حركة هذه المجتمعات الاجتماعية قاصرة على الغير، دون أيّ تأثير فاعل في بناء داخلي، وإلا لاستمرت هذه الحركات في ديناميتها حتى اليوم؛ لأنّ الوقوف عند نقطة معينة دون حراك يجعل منها كتلة، ومع الوقت لا يمكن تجاوزها بسهولة، ومثال الثورة الفرنسية واضح في استمراريتها حتى اليوم·

إنّ بناء المجتمعات عملية مستمرة، والفكر بما فيه النقد جزء من هذا الاستمرار، فإذا ُأنجز المجتمع، وُأغلقت حوله الأبواب تحول الفكر بما فيه النقد إلى زوائد دودية لا تضر إلا إذا التهبت، وليس لها دواء حينئذ سوى الاستئصال·

الصفحات