أنت هنا

قراءة كتاب البقاء على قيد الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البقاء على قيد الكتابة

البقاء على قيد الكتابة

كتاب " البقاء على قيد الكتابة " ، تأليف عبد العزيز محمد الخاطر ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

لا نصلح إلا بهم ولا يصلحون إلا بنا

المتأمل لما حصل في مؤتمر الطائف الشهير -في أثناء الاحتلال العراقي لدولة الكويت- من إصرار الشعب الكويتي على إعادة الشرعية للدولة، متمثلة في حكم آل صباح مع اشتراطه بعودة الحياة الدستورية بعد التحرير، والتي كانت -أساساً - نتاجاً لمرحلة من مراحل هذا الحكم، يُدرك أهمية الجزئية الأولى، وهي المطالبة بالحكم السابق وبالعائلة نفسها وبمركزية هذه المطالبة· هل كان بإمكانهم اختيار بديل آخر؟ وهل أفرز تاريخ الكويت بديلاً؟ وهي أكثر دول الخليج حراكاً سياسياً· هل تملك دول الخليج بديلاً عن أنظمتها القائمة اليوم؟ وهل يمكن استبدال القبيلة بقبيلة أخرى اليوم؟ مثل هذه التساؤلات، وبعد الحدث المزلزل، وتماسك الشعب الكويتي خلف قيادته القبلية الشرعية، رغم وجود أطياف وزعامات لتوجهات سياسية راديكالية كويتية آنذاك، كل هذا، يثبت أن تاريخ هذه المنطقة مختلف تماماً عن غيره، وذو طبيعة مختلفة كذلك عمن سواه سياسياً، بمعنى أنه ذو صبغة اجتماعية ودينية يبثُ فيها من مفرداته وأنزيمات بقائه من داخله، وأنّ البعد الاجتماعي والديني هو ما يصوغ البعد السياسي وتشكيلاته بعد ذلك؛ بمعنى أنَّ إفراغ َ السياسة من بعدها الاجتماعي القبلي والديني القائم لا يحولها البته إلى فعل، مهما اكتست من أشكال؛ سواءٌ تكتلات أو جمعيات أو حتى أحزاب، ما دامت الصيغة الراهنة ستعود في مرحلة أو ستكون مطلباً لابد منه في مرحلة الانهيار والتبدد· وكل ما يمكن تحصيله هو تحسين الشروط، بما يجعل المجتمع كله ضمن بؤرة اهتمام هذا الوضع وهذه الشرعية التاريخية القبلية· هذا ما حكته تجربة الكويت· إذاً من المفروض أن تكون العلاجات أو مشاريع الإصلاح لا تبتعد كثيراً عن هذا التوجه حتى النقد والأدب والثقافة -لأنه كما أشرت سابقاً -مجتمع منجز، وما جرى في محنة الكويت يثبت ذلك·

تتميز الكويت هنا عن غيرها من دولنا في توسيع دائرة الإنجاز من خلال المشاركة السياسية· لا مكان للراديكالية في هذه المجتمعات بتكويناتها القائمة حالياً، ولا مكان للفكر الراديكالي كذلك، ولا للاتهامات المصاحبة لهذا الفكر؛ لأنها زبد وطوباوية متخيلة ومستوردة، ولو جاء أو حان الوقت لتطبيقها لأنكرها وتهرب منها أدعياؤها ومرددوها كما حصل في أزمة الكويت·

علـّة المجتمعات الخليجية باطنية، ولا يعالجها إلا هذا التكوين الخليجي التاريخي القبيلة والمجتمع أثبتت محنة الكويت أننا لا نصلح إلا بهم، ولا يصلحون إلا بنا· فالإصلاح إذاً عملية يحتاجها الجميع هم يحتاجونها وأعني الأنظمة، ونحن نحتاجها أعني الشعوب، وهي مساحة قائمة يمكن التقدم فيها أو التأخر بناءً على مسلمات كثيرة، يمكن كذلك استبعاد المعوِّق فيها ما أمكن، سواءٌ كان هذا المعوِّق ديناً أو عرفاً أو ثقافة، وسلم الإنسانية، وطلب المجتمع المستمر، وإمساك زمام الفاعلية ما أمكن، همُ المحدد والمعيار·

التوجه إلى الداخل، والعمل من خلاله، وتقليل جرعة الإيديولوجيا الطوباويـّة التي تصور الخلاص دون حتى تخيل البديل -ناهيكم عن إمكانية إيجاده- تجعل من ثقافة المجتمع في حالة فصام وخصام مع واقعها· أن يتخذ الإنسان موقفاً شيء جيد، فالحياة موقف كما يقولون· ولكن يجب ألا يكون هذا الموقف موقفاً وهمياً كمحاربة طواحين الهواء، علينا التيقن بأن تاريخ هذه المنطقة لم يعرف الفواصل الناقلة والصدمات الانفصالية للوعي، فإنك حين تتكلم اليوم عن قضية معينة تعود لاشعورياً لملامسة أبعادها إلى عمق التاريخ والدين؛ بل إنّ الماضي لدينا هو من يصنع الحاضر، تاريخنا هو تاريخ القبيلة والدين، نعم نريد الخروج من تشعباته، ولكننا أعجز من التخلص منه، وإيداعه متحف التاريخ، فلذلك فإنّ هبة الإيديولوجيات على المنطقة على طول تاريخها، كانت من الهشاشة، بحيث تزول كما يزول الغبار عند أول نزول للمطر·

العديد يكره كلمة خصوصية، ويدعي أن لا خصوصية لجماعة أو لمجتمع فيما يتعلق بالأبعاد الإنسانية الضرورية للمعيشة الكريمة والمساواة، كلام جميل وموافق عليه، ولكن ألا يسمى اتفاق الكويتيين على عودة شيوخهم وقبيلتهم، رغم جل الخلافات بين الطرفين كشرط لتحرير الكويت، وتقديم هذا المطلب لأكبر وأعرق الديمقراطيات القائمة على تبدل السلطة وتجددها المستمر خصوصية، علينا أن نتأمل ما حصل في مؤتمر الطائف الشهير في أثناء الاحتلال العراقي لدولة الكويت، وإصرار الشعب الكويتي على إعادة الشرعية التقليدية، التي قد نختلف ونتخاصم معها، ولكنه تاريخنا وصيغة حياتنا الممكنة والملموسة حتى الآن· علينا أن لا نستحي من الماضي إلا بقدر ما نكون عاجزين عن تطويره، الصورة الكبرى التي يصورها التاريخ لحكم القبيلة -بل ويحترمها- تتمثل في الملكية الدستورية، وهي قمة تطوير الماضي، وذروة سنام الحاضر وإشراقة المستقبل التي لا تغيب·

الصفحات