You are here

قراءة كتاب سنة الأحلام الخطيرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنة الأحلام الخطيرة

سنة الأحلام الخطيرة

كتاب " سنة الاحرم الخطيرة " ، تأليف سلافوي جيجيك ترجمه إلى العربية أمير زكي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

الفصل الثاني

من السيطرة إلى الاستغلال والثورة

كماركسيِّين نتشارك فرضية ماركس في «نقد الاقتصاد السياسي» التي تظلّ نقطة الانطلاق في فهم مآزقنا الاجتماعية ـ الاقتصادية. ومن أجل وضع يدنا على حدود هذه الورطة علينا على أيِّ حالٍ أن نتخلَّص من الآثار الأخيرة لتاريخانية ماركس التطورية ـ حتَّى وإن بدا أنَّها الأساس الحقيقي للأرثوذوكسية الماركسية. هنا نرى ماركس في تاريخانيته الأسوأ:

«في الإنتاج الاجتماعي لوجودهم، يدخل الناس جبرًا في العلاقات الحتمية، التي هي مستقلّة عن إرادتهم، أي علاقات الإنتاج الملائمة لمرحلة مُعطاة في تطوير قُوى الإنتاج المادِّية... عند مرحلة مُحدَّدة للتطوُّر، تدخلُ القُوى المادية المُنتجة في المجتمع في صراعٍ مع علاقات الإنتاج القائمة أو ـ وهذا فقط يعبر عن الشيء نفسه بمصطلحات قانونية ـ في صراعٍ مع علاقات الملكية بداخل الإطار الذي يشغلونه من الآنَ فصاعدًا. من أشكال تطوير القُوى المنتجة تعود هذه العلاقات إلى أغلالها. ثم يبدأ عصر الثورة الاجتماعية... لا يوجد نظام اجتماعي دُمّر قطّ قبل أن تتطوّر القُوى المنتِجة التي يكتفي بها، وعلاقات الإنتاج العليا الجديدة لا تحلُّ محلَّ القديمة قبل أن تنضج الظروف المادية لوجودها بداخل إطار المجتمع القديم. بالتالي تضع البشرية هذه المهام لنفسها بحتمية وكأنَّها يمكن أن تُحَل، في حين أنَّ التحقُّق المُقرّب سيظهر لنا دومًا أنَّ المشكلة نفسَها تظهر فقط عندما تكون الظروف المادية لحلِّها حاضرةً بالفعل أو على الأقلِّ في سياق التشكُّل(6)».

هذا المخطَّط خاطئ بشكلٍ مزدوج؛ أولًا، الرأسمالية كنسقٍ اجتماعي تتّصف بعدم التوازن البنيوي: التضادّ بين القوى والعلاقات حاضر تمامًا من البداية، وهذا التضادُّ الكبير هو الذي يدفع الرأسمالية نحو التثوير والتمدُّد الذاتيّين الدائمَين ـ الرأسمالية تزدهر لأنَّها تتجنَّب أغلالها وتهرب إلى المستقبل. هذا أيضًا سببُ أنَّ المرء يُسقِط الفكرة المتفائلة (الحكيمة) بأنَّ البشرية «فقط تضع لنفسها مثل هذه المهام بشكلٍ حتميِّ كأنَّها قابلة للحلّ»: الآن نحن نواجه مشكلات لا توجد لها حلولٌ واضحةٌ مضمونةٌ عن طريق منطق التطوُّر.

ومن أجل تجاوُز هذا النسق، علينا أن نركّز على الخصائص الثلاث التي تصف الرأسمالية المعاصرة: النزوع طويل المدى للانتقال من الربح إلى الأجر (بشكليه الرئيسيين: الأجر المبنيِّ على «المعرفة المتشاركة» المُخصخصة، والأجر المبني على الموارد الطبيعية)؛ الدور البنيوي الأقوى للبطالة (فرصة أن تكون «مُسَتَغلًّا» في وظيفة طويلة الأمد يتمُّ التعامل معها كامتياز)؛ وفي النهاية صعود طبقة جديدة تلك التي يطلق عليها جان ـ كلود ميلنر(i) «البرجوازية المُستأجرة(7)».

إن تبعات تصاعد الإنتاجية التي أحدثها التنامي الأُسّي في المعرفة الجمعية هو الدور المُتغيّر للبطالة. ولكن ألا يقدّم هذا الشكل الجديد من الرأسمالية منظورًا جديدًا للتحرُّر؟ هنا تقبع أطروحة هاردت ونيجري(ii)عن «الحشد»، التي يحاولان بها تجذير ماركسٍ ما تعني الرأسمالية الشركاتية(iii) عالية التنظيم عنده هي بالفعل «اشتراكية بداخل الرأسمالية» (نوع من «أشركة(iv)» الرأسمالية، مع كون الملّاك الغائبين زائدين عن الحاجة بشكل أكبر)، وبالتالي فالمرء يحتاج فقط إلى قطع الرأس الاسمي nominal ليصل إلى الاشتراكية بشكل ملائم(8). بالنسبة لهاردت ونيجري، على كلِّ حال، فحدود ماركس كانت في أنَّه مقيّدٌ تاريخيًّا بالشكل المتمركز والهيراركي للعمل الصناعي، هذا سبب أنَّ رؤيته عن «العقل العامِّ» كانت مُتعلِّقةً بالفعل المُخَطِط المركزي. اليوم فقط، مع صعود «العمل غير المادِّي» إلى وضع مُهيمن، يكون الانعكاس الثوري «ممكنًا موضوعيًّا». هذا العمل غير المادّي يمتدّ بين عمودَي العملِ العقليِّ (الرمزي) (إنتاج الأفكار، الأكواد، النصوص، البرامج، التشكيلات...إلخ)، والعملِ الانفعاليِّ (هؤلاء الذين يتعاملون مع الانفعالات الجسدية: من الأطباء إلى جليسي الأطفال إلى مضيفي الطيران). اليوم، العمل غير المادِّي «مُهيمِن»، بالمعنى الدقيق الذي أعلن به ماركس أنَّ الإنتاج الصناعي الضخم، في رأسمالية القرن التاسع عشر، كان مُهيمِنًا كلونٍ مُحدَّدٍ يعير صوته للكلية ـ ليس بالمصطلحات الكمّية، ولكنّه يلعب الدور المُهم والرمزي والبنيوي. ما يبزغ بالتالي هو مساحة سيطرة واسعة لـ«الشعبي»: المعرفة المتشاركة، أشكال من التعاون والاتصال، ...إلخ. تلك لم يعد من الممكن استيعابها بشكل الملكية الخاصّة، لأنّه في حالة الإنتاج غير المادِيِّ، لم تعد المنتجات هي الأشياء المادّية، ولكنَّ العلاقاتِ الاجتماعية (المتشاركة) ذاتها ـ باختصار، فالإنتاج غير المادِّي هو سياسة حيوية(v) بشكلٍ مباشر، إنَّه إنتاج الحياة الاجتماعية.

المفارقة هنا هي أنَّ هاردت ونيجري يحيلان إلى العملية ذاتها التي يحتفي بها أيدولوجيُّو رأسمالية «ما بعد الحداثة» المعاصرين، كمرحلةٍ من الإنتاج المادِّي إلى الرمزي، من منطق الهيراركية ـ المركزية إلى منطق الخلق الذاتي والتنظيم الذاتي والمشاركة مُتعدّدة المراكز وهكذا. نيجري في الحقيقة مُخلِصٌ لماركس هنا: ما يحاول أن يثبتَه هو أنَّ ماركس كان على حقِّ، فصعود «العقل العامِّ» متعارض على المدى الطويل مع الرأسمالية. أيدولوجيّو رأسمالية ما بعد الحداثة يتبنّون بالضبط الزعم المضادّ: إنَّها النظرية الماركسية (وممارستها) ذاتها هي التي تظلّ بداخل قيود المنطق الهيراركي والمركزي لتحكم الدولة وبالتالي لا تستطيع تجاوز التأثيرات الاجتماعية لثورة المعلومات الحديثة. وهناك حججٌ إمبريقيةٌ جيّدة لهذا الزعم: مرّة أخرى، المفارقة الكبرى في التاريخ هي أنَّ تفَسُّخَ الشيوعية هو أكبر مثال مقنع عن مدى جدوى الديالكتيك الماركسي التقليدي عن قُوى الإنتاج وعلاقاتها، والذي تعتمد عليه الماركسية في محاولتها لتجاوُز الرأسمالية. الذي دمَّر النُّظُم الشيوعية في الحقيقة كان عدم قدرتها على مجاراة المنطق الاجتماعي الجديد المدعوم بـ«ثورة المعلومات»: بل إنهم حاولوا أن يدفعوه إلى مشروع مشروع تخطيط دولة مركزي آخر واسع المدى. المفارقة هنا تكمن في أنَّ ما يحتفي به نيجري كفرصةٍ فريدةٍ للتغلُّب على الرأسمالية، هو ما يحتفي به أيدولوجيُّو «ثورة المعلومات» كبزوغٍ لرأسمالية «غير متصارعة» جديدة.

تحليل هاردت ونيجري يتضمَّن ثلاثَ نقاطٍ ضعيفة تشرح ـ إذا جمعناها معًا ـ لِم تستطيع الرأسمالية تجاوز ما هو مفترض (بالمصطلحات الماركسية الكلاسيكية) أن يكون تنظيمًا جديدًا للإنتاج هذا الذي يجعلها من طراز قديم. إنَّهما قلَّلا من قدر المدى الذي خصخصت فيه الرأسمالية المعاصرة بنجاح (على الأقلِّ على المدى القصير) «المعرفة العامَّة» ذاتها، إلى جانب المدى الذي يصبح فيه العمَّال أنفسهم ـ أكثر من البرجوازيين ـ «زائدين عن الحاجة» (العدد المتزايد منهم يصبح ليس فقط عاطلًا بشكلٍ مؤقّت، ولكنَّه يصبح بنيويًّا غير مؤهّل للعمل). وأكثر من ذلك، حتَّى لو كان صحيحًا من حيث المبدأ أنَّ البرجوازيين يصبحون دومًا غير- وظيفيين، علينا أن نكافئ هذا التصريح مع سؤال: غير وظيفيِّين بالنسبة لمَن؟ بالنسبة للرأسمالية ذاتها. لو أن الرأسمالية التقليدية جعلت سيدة أعمال تستثمر أموالها (أموالها الخاصَّة أو المُقترضَة) بشكلٍ مثاليٍّ في مشروع منظَّمٍ تديره بنفسها، وبالتالي تحصد الربح، فهناك نمطٌ مثاليٌّ جديدٌ يظهر اليوم: لم تعد سيدة الأعمال تملك شركتها الخاصّة، ولكنَّ المدير الخبير (أو مجلس إدارة يرأسه مديرٌ تنفيذيٌّ) وهو يدير شركة مملوكة للبنوك ( التي تدار من قبل مديرون لا يملكونها) أو مستثمرين متفرِّقين، في نمطٍ مثاليٍّ جديدٍ من رأسمالية بدون برجوازية؛ البرجوازية القديمة، تتحوَّل إلى غير ـ وظيفية، وتعاد وظيفيتها كطبقةٍ من المديرين المُستَأجرين ـ البرجوازية الجديدة نفسها تتلقَّى أجرًا وحتَّى لو كان مديروها يملكون نسبة من شركتهم، فهم يكسبون أسهمَهم كجزءٍ من المكافأة على عملهم («مكافأة» Bonus على إدارتهم «الناجحة»).

Pages