You are here

قراءة كتاب سنة الأحلام الخطيرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنة الأحلام الخطيرة

سنة الأحلام الخطيرة

كتاب " سنة الاحرم الخطيرة " ، تأليف سلافوي جيجيك ترجمه إلى العربية أمير زكي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 9

على أيِّ حال ربَّما علينا أن نعكس نسق كاراتاني: أليست «أفكار ـ الحُلم» هي بالأحرى المضامين/ المصالح الممثّلة بطرق مُتعدّدة خلال الميكانيزمات الموصوفة بواسطة ماركس (الفلّاحون الصغار، البروليتاريا الرثة(xii)، ...إلخ) ـ أَوَليس»التمنِّي اللا واعي» هو واقع الـ «السبب الغائب» الذي يحدِّد بشكل متضافر لعبة التمثيلات المتعدِّدة، مصلحة رأس المال الكبير؟ الواقع هو فورًا الشيء الذي لا يمكن الدخول إليه مباشرة والعقبة التي تمنع الدخول المباشر؛ الشيء الذي يتهرّب من قبضتنا وهو الشاشة المشوَّهة التي تجعلنا نفقدُ الشيء. بدقّة أكبر فالواقع هو النقلة الكاملة المطلقة للمنظور من وجهة النظر الأولى إلى الثانية: الواقعي اللاكاني ليس مُشَوَّهًا، ولكنَّه مبدأ تشوُّه الواقع ذاته. هذا النسق مماثل بالضبط لتفسير فرويد للأحلام: فبالنسبة لفرويد أيضًا، فالرغبة اللا واعية في حُلمٍ ليست ببساطة لُبَّه، الذي لا يظهر مباشرة، والمشوّهة بترجمته إلى نص ـ حُلم ظاهر، ولكنَّه المبدأ الأساسي لهذا التشوُّه. هذه هي كيفية لعب الاقتصاد ـ عند دولوز، بتماثُل مفهومي دقيق ـ دوره في تحديد البنية الاجتماعية «في المرحلة الأخيرة». هنا «الاقتصادي» لا يُقدَّم أبدًا مباشرة كوكيلٍ سببيٍّ حقيقي، حضورُه مفترَضٌ تمامًا، إنَّه «شبه ـ السبب» الاجتماعي، ولكن كما هو كذلك بدقّة فهو مطلق، غير مرتبط، السبب الغائب، شيء لا يكون أبدًا في مكانه: «هذا هو سبب أنَّ (الاقتصادي)لا يُعطى له حديثًا منضبطًا، ولكنَّه بالأحرى يشكِّلُ افتراضًا اختلافيًّا سيتمُّ تفسيره، وهو مُغطّى أبدًا بأشكال التحقّق»(22). إنَّها الـ X الغائبة التي تدور بين سلسلة متنوِّعة في المجال الاجتماعي (الاقتصادي، السياسي، الأيدولوجي، القانوني...) توزّعهم في إفصاحاتهم المُحدّدة. علينا بالتالي أن نصرَّ على الاختلاف الراديكالي بين الاقتصاد كـ X افتراضية، والنقطة المرجعية المطلقة للمجال الاجتماعي، والاقتصاد في واقعيته، كعنصر واحد (نظام فرعي) للشمول الاجتماعي الواقعي: عندما يواجه بعضهم بعضًا ـ أو بقول ذلك بهيجلية، عندما يواجه الاقتصاد الافتراضي نفسه في «تحديده المتواجه» في صورة مقابله الحقيقي ـ فهذه الهُويّة تتطابق مع التناقض (الذاتي) المطلق.

كما أوضح لاكان في محاضرته رقم 11: “il n’y a de cause que de ce qui cloche” ـ «لا يوجد سببٌ سوى سبب الشيء الذي يتعثَّر/ينزلق/يتعطَّل»(23) ـ الأطروحة التي تتَّصف بالتناقض بشكلٍ واضحٍ يتمُّ شرحها عندما يضع المرء في الاعتبار التضادّ بين السبب والسببية. بالنسبة للاكان، هما ليسا الشيء نفسه على أيِّ حالٍ، طالما كان «السبب» ـ بالمعنى الدقيق للمصطلح ـ هو بالضبط الشيء الذي يتدخَّل عند هذه النقاط حين تتعطَّل شبكة السببية (سلسلة السبب والنتيجة)، عندما يكون هناك عائقٌ، هُوّة، في الدائرة السببية. بهذا المعنى فالسبب بالنسبة للاكان بالتعريف هو سببٌ بعيدٌ («سبب غائب» كما اعتادت رطانة «بنيوية» الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أن تتعامل معه) ـ إنَّه يتحرَّك في فضاء الشبكة السببية المباشرة. ما كان في ذهن لاكان هنا بالدقّة هو عمل اللا وعي. تخيّل زلّة لسان عادية: في مؤتمر للكيمياء على سبيل المثال هناك شخصٌ يُلقي، مثلًا، كلمة عن تبادل السوائل؛ وفجأة، يتعثّر ويزلُّ ويقول شيئًا عن سير المنيِّ في العملية الجنسية ـ «جاذب» ممَّا يطلق عليه فرويد «مشهدًا آخر» يتدخّل كقوّة الجاذبية، يمارس تأثيره الخفيَّ من بعيد، يلوي فضاء تيار الكلمات، يصنع هُوّة بداخلها. وربَّما هذه هي الطريقة التي يجب أن نفهم بها أيضًا النسق الماركسيَّ سيِّئ السُّمعة عن «التحديد في المرحلة الأخيرة(xiii)». مثال التحديد المتضاعف لـ«الاقتصاد» هو سبب بعيد، ليس مباشرًا أبدًا، إنَّه يتدخّل في هُوى السببية الاجتماعية المباشرة.

كيف بالتالي يُوَظَّف «الدور التحديدي للاقتصاد»، إن لم يكن هو المرجع المطلق للمجال الاقتصادي؟ تخيّل النضال السياسي الذي يتمُّ بمصطلحات الثقافة الموسيقية الشعبية، كما كان الحال في بعض الدول الأوروبّية الشرقية ما بعد الاشتراكية، التي كان يتوظّف فيها النزاع بين الموسيقى الشعبية والروك كإزاحة للخلاف بين اليمين القومي ـ المحافظ واليسار الليبرالي. بوضع ذلك بمصطلحات قديمة الطراز: فنضال الثقافة الشعبية عَبَّر عن (وزوّد مصطلحات بها) صراع سياسي يتمّ التجادُل فيه. (كما هو اليوم في الولايات المتّحدة إذ تهيمن المحافظة على موسيقى الكانتري واليسار الليبرالي على الروك). باتّباع فرويد، لا يكفي القول إنَّ النضال الحادث في الموسيقى الشعبية هنا هو فقط تعبير ثانوي، عَرَض، وترجمة مُشَفَّرة للنضال السياسي، الذي كان «يدور حوله» الأمر كلّه. كلّ من النضالين له ماهيّةٌ تخصُّه: الثقافي ليس فقط ظاهرة ثانوية، أرض معركة ظلال ستُفَك شفرتها لدلالاتها السياسية (التي هي واضحة بما يكفي بطبيعة الحال).

«الدور المُحدّد للاقتصاد» بالتالي لا يعني، في هذه الحالة، أنَّ كلَّ هذا اللغو «كان حقًّا عن» النضال الاقتصادي، مع التوظيف الاقتصادي كـ (ما وراء ـ ماهوي) «يُعَبِّر» عن نفسه عن بُعد ويُنتَزع مرتين في الصراع الثقافي (الاقتصاد يحدِّد السياسة التي تحدِّد بدورها الثقافة...) على العكس، فالاقتصاد يُدوّن نفسه في دورة الترجمة والنقل للصراع السياسي إلى صراع ثقافي ـ شعبيِّ، نقلًا ليس مباشرًا أبدًا، ولكنّه مُزاح دومًا، بشكلٍ لاسيمتري. دلالة «الطبقة» كما شُفِّرَت في «أساليب الحياة» الثقافية يمكنها أن تقلب عادة الدلالة السياسية الصريحة. فلنستعِد المناظرة التلفزيونية المشهورة عام 1959، المعروفة بأنَّها المسئولة عن هزيمة نيكسون، وكيف أنَّ كينيدي التقدُّمي اُستُقبِل على أنَّه النبيل من الطبقة العليا، في حين أنَّ اليميني نيكسون ظهر على أنَّه منافس من الطبقة الدنيا. هذا بالطبع لا يعني أنَّ التضادَّ الثاني يعطي ببساطة فكرة خاطئة عن الأوّل، فإنَّ الثاني يمثِّل «الحقيقة» المشوّشة بالأوّل ـ أي أنَّ كينيدي الذي قدَّم نفسَه في تصريحاته العامّة على أنَّه تقدُّميٌّ عن نيكسون ومنافس ليبرالي، عُرِف من خلال أسلوب حياته بأنَّه كان حقًّا نبيلًا من الطبقة العليا. ولكن هذا لا يعني أنَّ الإزاحة تحمل شهادة على حدود تقدُّمية كينيدي، طالما أنَّها تشير إلى الطبيعة المتناقضة لوضعه الأيدولوجي ـ السياسي(24). وهنا يتحرّك المثل المحدّد لـ«الاقتصاد»: الاقتصاد هو السبب الغائب الذي يعتمد على إزاحة التمثيل، واللا سيمترية (مقلوبة هنا) بين سلسلتين، ثنائية «السياسة التقدّمية/المحافظة» وثنائية «الطبقة العليا/المتوسّطة».

«السياسة» هي بالتالي اسم لـ«المسافة بين الاقتصاد وبين نفسه». فضاؤه ينفتح بالهُوّة التي تفصل الاقتصاد كسببٍ غائبٍ عن الاقتصاد في «تحديده المواجه»، كواحدٍ من عناصر الكلية الاقتصادية: هناك سياسة لأنَّ الاقتصاد «غير ـ كُلّي» لأنَّ الاقتصاد «عاجز»، لا ـ مبالٍ، شبه ـ سبب. الاقتصاد هنا بالتالي مُعَبَّرٌ عنه بشكل متضاعف بالمعنى الدقيق الذي يُعَرِّف الواقعي اللاكاني: إنَّه على الفور اللُّبُّ الحقيقي «المُعَبَّر عنه» في نضالٍ آخرَ خلال الإزاحات والأشكال الأخرى من التشويه، وفي المبدأ المُبَنيِن لهذه التشوّهات.

Pages