You are here

قراءة كتاب سنة الأحلام الخطيرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنة الأحلام الخطيرة

سنة الأحلام الخطيرة

كتاب " سنة الاحرم الخطيرة " ، تأليف سلافوي جيجيك ترجمه إلى العربية أمير زكي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 5

تحوُّلُ البرجوازية المُستَأجَرة الدنيا إلى بروليتاريا هذا، رافقه إفراطٌ على الجانب الآخر: هذا الأجر المرتفع غير العقلاني لكبار المديرين وموظّفي البنوك، ومستوى المكافأة غير العقلاني اقتصاديًّا في حين أنَّها تميل لأن تكون متناسبةً عكسيًّا مع نجاح الشركة(10) ـ كما أوضحت التحقيقات في الولايات المتّحدة. بدلًا من إخضاع هذه الاتجاهات إلى النقد الأخلاقي، علينا بالأحرى أن نقرأها كمؤشِّرٍ على كيفية كونِ النظام الرأسمالي ذاته لم يعُد قادرًا على إيجاد مستوًى محايثٍ من الاستقرار المُنظَّم ـ ذاتيًّا؛ بمعنى كيف أنَّ دورته تُهدِّد بأن تخرج عن السيطرة.

الفكرة الماركسية ـ الهيجلية القديمة عن الكلية تصبح مناسبةً هنا؛ من الحاسم أن نضع أيديَنا على الأزمة الاقتصادية الراهنة بكلِّيَّتها ولا تُعمينا الجوانب الجزئية. الخطوة الأولى باتِّجاه وضع يدنا على هذه الكُلِّية هو التركيز على اللحظات المنفردة البيِّنة كأعراضٍ للأزمة الاقتصادية الراهنة. على سبيل المثال، كلُّ الناس تعرف أنَّ «حزمة الإنقاذ» المُقدَّمة لليونان لن تنفع، ولكن مع ذلك تُفرض حزمُ إنقاذٍ جديدة على اليونان مرارًا وتكرارًا كمثالٍ غريبٍ على منطق «أنا أعرف جيّدًا، ولكن...» هناك قصّتان مُهيمِنتان عن أزمة اليونان تتردَّدان في الإعلام الجماهيري: القصّة الألمانية ـ الأوروبّية (اليونانيّون غير المسئولين الكسالى، المبذِّرون، المتهرِّبون من الضرائب يجب أن يخضعوا للسيطرة ويتعلَّموا الانضباط المالي)، والقصّة اليونانية (السيادة القومية مُهدّدة من قِبل التكنوقراط الليبراليين الجُدُد في بروكسل)(11). وعندما يصبح من المستحيل تجاهلُ مأساة اليونانيين العاديين تظهر قصّة ثالثة: يتمُّ عرضهم بشكل متنامٍ كضحايا إنسانيِّين بحاجة إلى المساعدة، كأنَّ كارثةً طبيعيةً ما أو حربًا ضربت البلد. في حين أنَّ القصصَ الثلاثَ زائفة، فمن الممكن القول إنَّ الثالثة هي الأكثر إثارة للاشمئزاز: إنَّها تُخفي حقيقةَ أنَّ اليونانيّين ليسوا ضحايا سلبيِّين، هم يواجهون في المقابل، هم في حرب مع الوضع الاقتصادي الأوروبِّي وما يحتاجونه هو التماسُّك في كفاحهم، لأنَّ هذه هي مواجهتنا أيضًا. اليونان ليست استثناء؛ إنَّها أرضية اختبار لفرض نموذج اقتصادي ـ اجتماعي جديد مع مطالبة عالمية: نموذج تكنوقراطي غير مُسيَّس حيث موظّفو البنوك والخبراء الآخرون مسموحٌ لهم بالقضاء على الديمقراطية.

تخيّل مشهدًا من فيلمٍ ديستوبيّ(ix) يمثّل مجتمعنا في المستقبل القريب: أناسًا عاديّين يسيرون في الشوارع ويحملون صَفَّارة خاصّة؛ حينما يرون شخصًا مشكوكًا فيه ـ : قل مهاجرٌ، أو شخصٌ متشرِّدٌ ـ يطلقون الصَّفَّارة، ويأتي حارسٌ خاصٌّ جريًا ليتعامل بوحشية مع المتطفِّلين... ما يبدو أنَّه أشبه بفيلم هوليودي رخيص هو واقعٌ في اليونان اليوم؛ أعضاء حركة «الفجر الذهبي الفاشي» يطلقون الصّافرات في شوارع آثينا ـ عندما يرى أحدهم أجنبيًّا مشكوكًا فيه، يُسمح له بأن يطلق الصافرة، وسيصل الحرّاس الخاصّون الذين يراقبون الشوارع من «الفجر الذهبي» ليتفحّصوا المشتبه فيه. هذه هي الطريقة التي يدافع بها المرء عن أوروبّا في ربيع 2012. أعضاء تنظيم المعادين للمهاجرين هؤلاء ليسوا الخطر الأهمَّ على أيِّ حال؛ إنَّهم مُجرَّد إيذاء موازٍ يصحب التهديد الحقيقي ـ سياسات التقشّف التي وضعت اليونان في هذا المأزِق.

نقَّادُ ديمقراطيتنا المؤسّسية غالبًا ما يَشكون من أنَّ طبائع الأمور تقول إنَّ الانتخابات لا تُقدِّم الخيار الحقيقي؛ في الأغلب يكون لدينا الخيارُ بين حزب يمين الوسط ويسار الوسط واللذين تكون برامجهما فعليًّا غير متمايزة. في وقتِ كتابتي، فالانتخابات اليونانية موعدُها هو 17 يونيو 2012 وهي تقدِّم خيارًا حقيقيًّا: بين النظام الحالي (الديمقراطية الجديدة وحزب البازوك) من جهة وحزب سيريزا من جهة أخرى. وكما هي العادة في هذه الحالة، فلحظات الخيار الحقيقي تلك تدفع النظام القائم إلى الشعور بالذعر، وتقوده لاستدعاء صور الفوضى الاجتماعية والفقر والعنف لو اتَّجه المنتخبون للخيار الخاطئ. مجرّد إمكانية فوز حزب سيريزا دفع أمواجًا من الخوف في الأسواق حول العالم، ومرّة أخرى كما هو معتاد في هذه الحالات؛ وصل التشخيص الأيدولوجي لذروته: بدأت الأسواق تتحدَّث ككائنٍ بشري، وتعبّر عن «قلقها» ممَّا سيحدث لو فشلت الانتخابات في الإتيان بحكومة مكلّفة لتكمل برنامج وزراء مالية الاتحاد الأوروبِّي القائم على التقشُّف المالي والإصلاح البنيوي. ولكنَّ الناس العاديين في اليونان ليس لديهم وقتٌ ليهتمُّوا بمثل هذه التكهُّنات؛ لديهم ما يكفي ليتعاملوا معه في الوقت الحاضر، إذ تصبح حيواتهم بائسةً إلى حدٍّ لم يحدث في أوروبّا في العقود الأخيرة. بالطبع هذه التوقُّعات عادةً ما تصبح تنبُّؤاتٍ تكتمل ذاتيًّا، محدثةً الفزعَ وبالتالي تجلب كلَّ كارثة حذَّرت منها.

في كتابه «ملاحظات نحو تعريف الثقافة»، أشار المحافظ العظيم ت. س. إليوت إلى أنَّ هناك لحظاتٍ يكون الخيار الوحيد فيها هو بين الهرطقة وعدم الإيمان، إذ يكون الطريق الوحيد للحفاظ على بقاء الدِّين أحيانًا هو أن تُوقظ الانشقاق الطائفي من سباته. هذا هو وضعنا حاليًا فيما يتعلّق بأوروبّا. وحدها هرطقة جديدة (ممثّلة في هذه اللحظة في حزب سيريزا) يمكنها أن تنقذ ما يستحقُّ إنقاذه من التركة الأوروبِّية: الديمقراطية، الثقة في الشعب، المساواة، الوحدة... أوروبّا التي ستفوز إن انتصر حزب سيريزا هي «أوروبَّا بقيمٍ أسيوية» (بالطبع تلك لا علاقة لها بأسيا، ولها كلُّ العلاقة مع الخطر الواضح والقائم لميل الرأسمالية المعاصرة لتعليق الديمقراطية).

اليونان هي الكلية الفردية لأوروبَّا: ذروة العقدة التي يشكِّل عندها النزوع التاريخي حاضره، ظاهرة في قمّة نقائها. هذا هو سبب ـ ولنُعِد صياغةَ خاتمةِ أوبرا بارسيفال لفاجنر ـ أنَّه علينا تخليص المُخلّص. ليس علينا فقط تخليص اليونان من مخلِّصيها ـ المجموعة الأوروبِّية التي تجرِّب «معايير التقشّف» ـ بأسلوبٍ كأسلوب دكتور مينجل(x) ـ ولكن أيضًا تخليص أوروبّا من مخلِّصيها: الليبراليين الجُدُد الذين يُروِّجون لدواء التقشُّف المُرّ وللشعبويِّين المعادين للمهاجرين. ولكنَّ هناك على أيِّ حال شيئًا خاطئًا في هذه الفكرة: الحقيقة أنَّها بالضبط إجابة الأبله اليساري ـ الليبرالي ـ يفضِّل أن يكون مثقَّفًا متعلِّمًا مهمومًا اجتماعيًّا ـ عن سؤال أوروبَّا اليوم؛ كمعادٍ صريحٍ للعنصرية من الناحية السياسية، بالطبع سيصرُّ على أنَّه يرفض الشعبوية المعادية للمهاجرين: ولكنَّ الخطر يأتي من الداخل وليس من الإسلام، يقول إنَّ التهديدين الرئيسيين لأوروبَّا هما الشعبوية الصريحة والاقتصاد الليبرالي الجديد، وفي مواجهة هذا التهديد المزدوج علينا أن نسترجع التماسُك الاجتماعي والتسامُح مع تعدُّد الثقافات، والظروف المادّية المُهيّأة للتنمية الثقافية، وهكذا. ولكن كيف سيحدث هذا؟ الفكرة الرئيسية البلهاء هنا تتضمَّن عودة دولة الرَّفاه الأصلية: نحن نحتاج إلى حزب سياسي سيعيد المبادئ القديمة الطيِّبة المهجورة تحت ضغط الليبرالية الجديدة؛ علينا أن نضبط البنوك ونتحكَّم في الزيادات المالية، ونضمن رعايةً صحيةً وتعليمًا مجانيّين عالميّين، وهكذا. ما الخطأُ في هذا؟ كلّ شيء. مثل هذه المقاربة مثالية بالمعنى الضيق، أي أنّها تتضادُّ مع إضافتها الأيدولوجية المثالية للمأزق القائم. لنستعدْ ما كتبه ماركس عن «جمهورية» أفلاطون: المشكلة ليست في كونها «يوتوبية جدًّا»، ولكن على العكس، فهي تظلُّ الصورة المثالية للنظام السياسي الاقتصادي القائم. بعد إجراء التغييرات الضرورية، علينا ألَّا نقرأ عدم الاستقرار الحالي لدولة الرَّفاه كخيانةٍ للفكرة النبيلة، بل كفشل يُمَكِّنُنا بأثرٍ رجعيٍّ أن نُدرك النقص المُميت في فكرة دولة الرَّفاه ذاتِها. الدرس هو أنَّه لو لم نُرِد أن نحافظ على اللبِّ التحرُّري في الفكرة، فسيكون علينا أن نُغيِّر التيار، ونُعيد التفكير في مضامينها الأكثر أساسيةً (مثل التطوير طويل المدى لـ«اقتصاد السوق الاجتماعي»، هذا المُتعلِّق بالرأسمالية المسئولة اجتماعيًّا).

Pages