You are here

قراءة كتاب سنة الأحلام الخطيرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنة الأحلام الخطيرة

سنة الأحلام الخطيرة

كتاب " سنة الاحرم الخطيرة " ، تأليف سلافوي جيجيك ترجمه إلى العربية أمير زكي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

اليوم، نُهاجَم بحشدٍ من المحاولات لأنسنة الرأسمالية، من الرأسمالية ـ البيئية حتَّى رأسمالية الدخل الأساسي. التفكير الذي يقف وراء هذه المحاولات يمضي كالتالي: الخبرة التاريخية أظهرت أنَّ الرأسمالية حتَّى الآن هي أفضل طريقة لتوليد الثراء؛ وفي الوقت نفسه، يجب الاعترافُ بأنَّها لو تركت لنفسها فعملية إعادة إنتاج الرأسمالية تتطلَّب استنزاف الموارد الطبيعية وهدمها، والمعاناة الجماعية، والظلم، والحروب، ...إلخ. هدفنا يجب أن يكون هكذا؛ أن نحافظ على المنظومة الرأسمالية الأساسية المتعلّقة بإعادة الإنتاج الموجه للربح، ولكن تحريك ذلك وضبطه بحيث تخدم الأهداف الأكبر للعدالة والرَّفاه العالمي. بالتالي فعلينا أن نترك الوحش الرأسمالي إلى وظيفيته المناسبة، ونقبل كون الأسواق لها طلباتُها الخاصَّةُ التي يجب أن تُحترم، فأيُّ اضطرابٍ في ميكانيزمات السوق سيقودُ إلى كارثة ـ كلّ ما يُمكِنُنا فعلُه هو ترويض الوحش... على أيِّ حال، كلّ هذه المحاولات، ذات الغرض الحسن، كالعادة، التي تحاول أن توحّد الواقعية البراجماتية مع الالتزام المبدئي بالعدالة، تواجه ـ آجلًا أو عاجلًا ـ «واقع» العداء بين البعدين: الوحش الرأسمالي يهرب مرارًا وتكرارًا من الضبط المجتمعي الخيري. بالتالي سنكون مُجبرِين في نقطةٍ ما على طرح السؤال القدري: هل اللعب مع الوحش الرأسمالي هو حقًّا اللعبة الوحيدة المتخيّلة في النطاق؟ ببساطة ماذا لو كان الثمن الذي علينا أن ندفعه، وهو متنامٍ كما هي الرأسمالية، من أجل التوظيف المستمرِّ عاليًا جدًّا؟ إنَّ تجنُّبَنا السؤال واستمررنا في أنسنة الرأسمالية، سنُسهم فقط في العملية التي نحاول أن نقلبها. علامات هذه العملية وفيرة في كلّ مكان، تتضمَّن صعود متاجر وال ـ مارت(xi) كتمثيل لشكل جديد من الاستهلاكية يستهدف الطبقات الأدنى:

«بخلاف الشركات الكبيرة الأولى التي أنشأت أقسامًا جديدةً تمامًا بواسطة بعض الاختراعات (مثل إديسون والمصباح الكهربائي، ميكروسوفت ونظام الويندوز، سوني والووكمان، أو آبل ومجموعة آيبود/ آيفون/ آيتونز)، أو الشركات الأخرى التي ركّزت على إنشاء ماركات محدّدة (مثل كوكا كولا أو مالبورو)، وال ـ مارت صنعت شيئًا لم يفكّر فيه أحدٌ من قبل؛ إنَّها جمعت أيدولوجيا رُخَصٍ جديدة لتتحوّل إلى ماركة تقصد جذب الطبقات الوسطى الدنيا والعاملة المضغوطة مادّيًّا في أمريكا. بالاشتراك مع الرقابة الصارمة للنقابات، أصبحت حصنًا يحافظ على الأسعار منخفضة ويمدُّ لمستهلكي الطبقة العاملة، الذين طالما عانوا، إحساس الرضا لأنَّهم يتشاركون استغلال المُنتجين (الأجانب غالبًا) للسلع في سلّة مشترياتهم»(12).

ولكنَّ الملمح الرئيسي في الأزمة الحالية لا يتعلّق فحسب بالإنفاق المتهوّر، والجشع والضبط البنكي غير المؤثّر... إلخ. الدورة الاقتصادية تصل لنهايتها، الدورة التي بدأت في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما ولد «المينوتور العالمي» كما أطلق عليه فاروفاكيس(xii) ـ المُحرّك الوحشي الذي قاد الاقتصاد العالمي من بداية الثمانينيات من القرن الماضي وحتَّى2008(13). نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي لم يكونا فحسب عصرَ أزمةِ الوقود والركود التضخُّمي(***)؛ قرار نيكسون بالتخلِّي عن معيار الذهب من أجل الدولار الأمريكي(xiv) كان مؤشِّرًا على نقلة راديكالية كبيرة في التوظيف الأساسي للنظام الرأسمالي. مع نهاية الستينيات من القرن الماضي، لم يعد الاقتصاد الأمريكي قادرًا على الاستمرار في إعادة تدوير فوائضه في أوروبّا وآسيا: فوائضه تحوّلت إلى عجوزات. عام 1971 واجهت الحكومة الأمريكية هذا الانهيار بتصرُّف استراتيجي جريء؛ بدلًا من مواجهة عجوزات البلد المتنامية، قرَّرت فعل العكس، أن تُزيد العجوزات. ومن سيدفع من أجلها؟ بقيّة العالم! كيف؟ بواسطة الانتقال المستمرّ لرأس المال الذي اندفع بلا توقُّف تجاه المحيطين العظيمين ليموّل عجوزات أمريكا. التالي هو الذي بدأ في الحدوث:

«كمكنسة كهربائية عملاقة، تشفط سلعَ الناس الفائضة ورأس المال. بينما كان هذا «الترتيب» تجسيدًا لأبشع عدم توازن متخيَّل على مستوى الكوكب.. فمع ذلك أتاح صعود شيء مشابه للتوازن العالمي؛ نظام عالمي يتضمَّن تدفُّقات مالية وتجارية غير متوازنة متسارعة، قادرة على وضع شيء مشابه للاستقرار والنموِّ الثابت... قائم على هذه العجوزات، واقتصادات الفائض القائدة بالعالم (مثال: ألمانيا، اليابان، ثم الصين) تظلّ تنتج بينما تشفطها أمريكا. تقريبًا 07% من الأرباح التي تُجنَى عالميًّا بواسطة هذه الدول تمَّ تحويلُها عائدة إلى الولايات المتّحدة، في صورة تدفُّقات رأسمالية إلى وول ستريت. وماذا فعلت وول ستريت بها؟ حوَّلت هذه التدفُّقات إلى استثمارات مباشرة، وأسهمٍ، وأدواتٍ ماليةٍ جديدة، وأشكالٍ جديدة وقديمة من القروض، ...إلخ(14)».

على الرغم من أنَّ رؤية إيمانويل تود(*) عن النظام العالمي المعاصر متحيّزة بوضوح، فمن الصعب إنكارُ لحظة صدقها: وهي أنَّ الولايّات المتّحدة إمبراطورية في انهيار(15)؛ فتوازنها التجاري السلبي المتنامي يُظهِر أنَّها مفترس غيرُ منتِج. عليها أن تمتصَّ تدفُّقًا يوميًّا مُكوَّنًا من مليار دولارٍ من الدول الأخرى لتدفع من أجل استهلاكها، وهي كذلك مستهلك كينزي(xvi) عالمي يحافظ على حركة اقتصاد العالم. (هذا كافٍ بالنسبة للأيدولوجية الاقتصادية المضادّة للكينزية التي تبدو مهيمنة اليوم!) هذا التدفُّق، الذي يشبه جدًّا العشور المدفوعة لروما في العصور القديمة (أو الهبات المضحَّى بها للمينوتور بواسطة قدماء اليونان)، تعتمد على ميكانيزمات اقتصادية معقّدة: الولايّات المتّحدة «موثوق فيها» كمركزٍ آمنٍ ومستقرٍّ، بالتالي فكلّ الآخرين، من الدول العربية المنتجة للنفط إلى أوروبَّا الغربية واليابان، وحتَّى الصين الآن، تستثمر أرباحها الفائضة في الولايات المُتَّحدة. وطالما كانت الثقة في الأصل أيدولوجية وعسكرية وليست اقتصادية، فالمشكلة بالنسبة للولايات المتّحدة هي كيفية تبرير دورها الإمبريالي ـ إنَّها تحتاج دولة حرب ثابتة، وبالتالي فبـ«الحرب على الإرهاب» تقدّم نفسها كالحامي العالمي لكلِّ الدول العادية (وليست «الشاذّة») الأخرى. العالم كلّه بالتالي يميل لأن يُوَظَّف كإسبرطة عالمية بطبقاتها الثلاث، والتي تظهر الآن في صورة العوالِم الأولى والثانية والثالثة: (1) الولايات المتّحدة كقوّة عسكرية ـ سياسية ـ أيدولوجية؛ (2) أوروبَّا وأجزاء من أسيا وأمريكا اللاتينية كمناطق إنتاج صناعي (من المُهمّين هنا ألمانيا واليابان أكبر المصدّرين في العالم، بالإضافة إلى الصين الصاعدة)؛ (3) بقيّة العالم غير النامي، هيلوتيو اليوم(**). بكلمات أخرى، الرأسمالية العالمية جلبت نزوعًا عامًّا جديدًا تجاه الأوليجارشية، مقنعة كاحتفاء بـ«التنوُّع الثقافي»: المساواة والعالمية تختفي تدريجيًّا كمبادئ سياسية خلَّاقة. حتَّى قبل أن يُؤسّس لنفسه، فنظام العالم الإسبرطي الجديد هذا سينهار على أيّ حال. بالمقارنة بالموقف عام 1945، فالعالم لا يحتاج الولايات المتّحدة، إنّما الولايات المتّحدة هي التي تحتاج العالم.

في مواجهة خلفية الظلِّ العظيم تلك، فكفاح الأوروبِّيين ـ الألمان غاضبون من اليونان ومتردِّدون في إلقاء المليارات في ثقب أسود؛ والقادة اليونان يصرِّون بشكل مثير للشفقة على سيادتهم ويقارنون ضغط بروكسل بالاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية ـ لا يمكن أن يظهر سوى كشيء تافهٍ وسخيف.

Pages