You are here

قراءة كتاب سنة الأحلام الخطيرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنة الأحلام الخطيرة

سنة الأحلام الخطيرة

كتاب " سنة الاحرم الخطيرة " ، تأليف سلافوي جيجيك ترجمه إلى العربية أمير زكي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 8

أراد بونابرت أن يظهر كمُمَوِل بطريركي لكلّ الطبقات، ولكنّه لا يستطيع أن يعطي لطبقة بدون الأخذ من أخرى، بالضبط كما قيل عن دوق دي جيز في زمن الفروند(iv) بأنّه كان أكرم شخص في فرنسا لأنَّه قدَّم كلّ ممتلكاته لأتباعه، مع الالتزام الإقطاعي تجاهه، وبالتالي فسوف يكون بونابرت أكرم رجل في فرنسا ليحول كلّ الممتلكات وكلّ عمل فرنسا إلى التزام شخصي تجاهه، يريد أن يسرق من فرنسا كلّها من أجل أن يقدّم هدية إلى فرنسا»(18).

نحن نواجه هنا مأزق «الكلّ»: إن كان على كلِّ «الطبقات» أن تُمثَل، فالبناء بالتالي سيكون مثل lu Jeu du furet (لعبة الشريط) التي يشكِّل فيها اللاعبون دائرة حول شخص واحد، ويتناقلون الـ«شريط» خلف ظهورهم؛ اللاعب في المنتصف عليه بالتالي أن يخمّن مَن معه الشريط ـ لو خمّن بشكلٍ صحيح فسيستبدل مكانه مع الشخص الذي يملك الشريط. (في النسخة الإنجليزية يصرخ اللاعبون «الكرة، الكرة، من معه الكرة؟») على أيِّ حالٍ فهذا ليس كلّ شيء. من أجل أن يتوظَّف النظام، أي من أجل أن يتعالى نابليون على كلِّ الطبقات وألّا يتصرَّف كممثلٍ مباشر لأيِّ طبقة، فلا يكفي له أن يضع القاعدة المباشرة لنظامه على القمامة أو المتبقِّي من كلّ الطبقات، عليه أيضًا أن يتصرّف كممثل لطبقة واحدة خاصّة، هذه الطبقة التي لا تتشكّل بدقّة لتتصرّف كَوَكِيلٍ متّحد يتطلّب تمثيلًا فعّالًا. هذه الطبقة من الشعب التي لا تستطيع تمثيل نفسها، وبالتالي تستطيع فقط أن تُمَثَّل، هي بالطبع طبقة الفلَّاحين ذوي الملكيات المحدودة:

«الفلاحون ذوو المِلكيّات المحدودة يُشكِّلون كتلةً عظيمة؛ أعضاؤها يعيشون في ظروف متشابهة، ولكن بدون الدخول في علاقات متعدّدة بعضها مع بعضٍ. نمط إنتاجهم يعزل بعضهم عن بعضٍ بدلًا من جمعهم في علاقة مشتركة... هم بالتالي غير قادرين على تأكيد مصلحة طبقتهم باسمهم، سواء من خلال برلمان أو تجمّع. لا يمكنهم تمثيل أنفسهم، عليهم أن يُمَثَّلوا. ممثّلهم يجب أن يبدو في الوقت نفسه كسيِّدهم، كسلطةٍ تعلُوهم، قُوًى حكومية غيرُ محدودة تحميهم من الطبقات الأخرى وتُرسِل لهم الأمطار وضوء الشمس من أعلى. التأثير السياسي للفلاحين ذوي المِلكيّات المحدودة بالتالي يجد تعبيره الأخير في القوّة التنفيذية التي تجعل المجتمع تابعًا لها»(19).

فقط هذه الملامح معًا تُشَكِّل البناء المتناقض للتمثيل البونابرتي ـ الشعبوي: التعالي على كلّ الطبقات، الانتقال بينها، الاعتماد المباشر على المتبقِّي البائس من كلِّ الطبقات؛ بالإضافة إلى الاعتماد المطلق على طبقة هؤلاء غير القادرين على التصرُّف كوكيلٍ جمعيٍّ يتطلَّب تمثيلًا سياسيًّا(20). ما تشير إليه هذه التناقضات هو استحالة التمثيل الخالص (فلنستعد غباء ريك سانتوروم(v) الذي قال في بداية 2012 إنّه بخلاف «احتلّوا وول ستريت» التي تزعم أنَّها تمثّل 99%، فهو يمثّل الـ 100% كلّها). كما كان سيشرح لاكان فالتناحُر الاجتماعي يجعل هذا التمثيل الشامل مستحيلًا ماديًّا: التناحر الطبقي يعني أنَّه لا يوجد محايد بالنسبة لكلّ المجتمع ـ كلّ «كل» يأخذ امتيازًا على كلِّ طبقة.

فلنستعد البديهية التي يتبعها الجانب الأعظم من السياسيّين و«المتخصِّصين» المعاصرين: يخبروننا مرارًا وتكرارًا أنّنا نعيش في أوقات حرجة من العُجوزات والديون وسيكون علينا جميعًا أن نتشارك العبء ونقبل بمستوى أقلَّ للعيش ـ جميعًا، ولكن باستثناء الأغنياء (جدًّا). فكرة فرض ضرائب أكبر عليهم هو تابو مطلق: يخبروننا أنَّنا لو فعلنا ذلك فالأغنياء سيفقدون أيَّ حافز للاستثمار وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، وسوف نعاني من النتائج. الطريقة الوحيدة لنخرج من تلك الأوقات العصيبة هي أن يتحوّل الفقير إلى أكثر فقرًا والغني إلى أكثر غنًى، وإن بدا أنَّ الغنيَّ سيواجه خطر فقدان بعض من غناه، فالمجتمع يجب أن يساعده. الرؤية المهيمنة للأزمة العالمية (التي حدثت بسبب إفراط الدولة في الاقتراض والإنفاق) هي في صراع مزعج مع حقيقة أنَّ المسئولية الكبرى لها تقع ـ من آيسلندا إلى الولايات المتّحدة ـ على البنوك الخاصّة الكبيرة ـ فمن أجل منع انهيارها، يكون على الدولة أن تتدخَّل بكميّات ضخمة من نقود دافعي الضرائب.

الطريقة التقليدية للتنصُّل من التناحُر وتقديم موقف المرء كتمثيل للكلّ هو عرض إلقاء سبب التضادّ على متطفّل أجنبي يمثّل تهديدًا للمجتمع ذاته، كعنصر مضادّ للمجتمع، كفائضٍ زائد. هذا هو سبب أنَّ معاداة السامية ليست فقط واحدة من ضمن الأيدولوجيات؛ إنَّها الأيدولوجيا المحايثة ذاتها، إنَّها تجسِّد المستوى صفر (الشكل الخاصّ) من الأيدولوجيا، وتؤسّس للمشاركة المبدئية: التناحُر الاجتماعي (النضال الطبقي) يَغمُض أو يُزاح وبالتالي يمكن أن يُلقى سببه على المتدخّل الخارجي. نسق لاكان “1+1+a” يُمَثَّل بأفضل شكل في النضال الطبقي: الطبقتان بالإضافة إلى «اليهود» الزائدين؛ الموضوعa (vi)، المضاف إلى الثنائي المتناحر. وظيفة هذا العنصر المضاف مضاعفة؛ إنّه يتضمّن التنصُّل الفيتيشي من التناحُر الطبقي، وإن كان يقف ـ بدقّة كما هو ـ مع التناحر، ويمنع «السلام الطبقي» إلى الأبد. بكلمات أخرى، طالما هناك فقط طبقتان، 1+1، بدون إضافة، إذن فلن يكون لدينا تناحر طبقي «خالص» ولكن على العكس سلام طبقي: الطبقتان تُكمل إحداهما الأخرى في كلٍّ منسجمٍ. التناقض يكون كالتالي؛ أنَّ العنصر الذي يُشَوِّه ويُزيح «نقاء» النضال الطبقي يساعد أيضًا كقوّته الدافعة. نقّاد الماركسية الذين يصرُّون على أنَّه لا توجد أبدًا طبقتان فقط تتصارعان في الحياة الاجتماعية لا يستوعبون الفكرة: فلأنّه لم توجد قطّ طبقتان متناحرتان فقط فلهذا بالضبط هناك نضالٌ طبقي.

هذا يحيلُنا إلى التغييرات في «نسق نابليون الثالث» تلك التي تمَّت في القرن العشرين. أولًا: الدور الخاصّ لـ«اليهود» (أو مكافئهم البنيوي) كدخيل أجنبي يفرض التهديد على هيكل المجتمع لم يكن قد تطوّر بعدُ، ويمكن للمرء بسهولة أن يُظهِر المهاجرين الأجانب كيهود اليوم؛ الهدف الرئيسي للشعبوية الجديدة.

ثانيًا: الفلّاحون الصغار اليوم هم الطبقة المتوسّطة سيّئة السمعة. غموض الطبقة المتوسّطة، هذا التناقض المتجسِّد (كما بيّن ماركس اعتمادًا على برودون)، يتمُّ تمثيلُه بطريقة ربطه بالسياسة: فمن جهة فالطبقة المتوسّطة ضدَّ التسييس ـ إنَّها فقط تريد الحفاظ على طريقتها في العيش، بأن تُتَرك لتعمل وتحيا في سلام، هذا هو سبب أنَّها تميل لمساندة الانقلابات الشمولية التي تَعِد بوضع نهاية للحراك السياسي المجنون بالمجتمع، فيستطيع كلّ شخصٍ العودة لمكانه أو مكانها الطبيعي. من جهة أخرى فأعضاء الطبقة المتوسّطة ـ المتنكِّرين الآن في الغالبية الأخلاقية الوطنية كثيرة العمل المُهَدّدة ـ هم المحرِّضون الرئيسيّون على الحركات اليمينية الشعبوية المتجذّرة، من لو بان في فرنسا إلى جيرت ويلدرز في هولندا إلى حركة حزب الشاي في الولايات المتّحدة.

أخيرًا، وكجزءٍ من التغيير العالمي من خطاب السيّد إلى خطاب الجامعة(vii)، فرمز جديد ظهر ـ يتعلّق بـ«الخبير» (التكنوقراطي المالي) الذي من المفترض أن يكون قادرًا على الحكم (أو بالأحرى الإدارة) بطريقة ما بعد أيدولوجية محايدة بدون أن يُمَثِّل أيَّ مصالحَ مُحدَّدة.

ولكن أين نجد، في كلِّ هذا،المشتبه فيه المعتاد في التحليل الماركسي الأرثوذوكسي عن الفاشية ـ رأس المال الكبير (شركات مثل كروب(viii) ...إلخ) الذي «ساند حقًّا هتلر؟» (الدوكسا(ix) الأرثوذوكسية الماركسية رفضت بعنف نظرية دعم الطبقة المتوسّطة لهتلر). الماركسية الأرثوذوكسية على حقٍّ هنا ولكن لأسباب خاطئة: رأس المال الكبير هو المرجع المطلق، «السبب الغائب»، ولكنّه يستخدم سببيّته بدقّة خلال سلسلة من الإزاحات ـ أو لو اقتبسنا من تماثل كوجين كاراتاني(x) الدقيق مع منطق فرويد عن الأحلام: ما يؤكِّده ماركس (في كتابه الثامن عشر من برومير) ليس (أفكار ـ الحُلم) ـ بكلمات أخرى؛ العلاقات الحقيقية لمصلحة الطبقة ـ ولكن بالأحرى «عمل ـ الحُلم»(xi)؛ بكلمات أخرى، الطرق التي تتَكَثَّف ويُزاح بها لا وعي الطبقة»(21).

Pages