You are here

قراءة كتاب سنة الأحلام الخطيرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنة الأحلام الخطيرة

سنة الأحلام الخطيرة

كتاب " سنة الاحرم الخطيرة " ، تأليف سلافوي جيجيك ترجمه إلى العربية أمير زكي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 10

في تاريخه الطويل والملتوي، يعتمد التأويل الماركسي الاجتماعي على منطقين، وعلى الرغم من أنَّهما يختلطان تحت العنوان الغامض المشترك المتعلّق بـ«النضال الطبقي الاقتصادي»، إلَّا أنَّهما متمايزان تمامًا. من جهة فهناك «التفسير الاقتصادي للتاريخ» سيِّئ السمعة: كلّ الصراعات الفنية، والأيدولوجية، والسياسية ـ هي في النهاية مشروطة بالنضال (الطبقي) الاقتصادي، الذي يتضمّن معناها السرِّي الذي ينتظر أن تُفَكّ شفرتُه. من جهة أخرى «كلّ شيء سياسي»؛ وبكلمات أخرى فنظرة الماركسي للتاريخ مُسَيَّسة تمامًا، لا توجد ظاهرة أخرى اجتماعية أو أيدولوجية أو ثقافية ليست «مُلَطَخَّة» بالصراع السياسي الأساسي، وهذا يَصدُق حتّى على الاقتصاد: وهم «النقابية» هو بالضبط أنَّ نضال العمال يمكن ألَّا يصير سياسيًّا، وأن يُختَصر إلى تفاوض اقتصادي تامّ من أجل ظروف عمل أفضل، من حيث الأجور وهكذا. على أيِّ حال، فهذين «التلطيخين» ـ الاقتصاد يُحَدِّد كلَّ شيء «في المرحلة الأخيرة» و«كلّ شيء سياسي» لا يتبعان المنطق نفسه. الاقتصاد بدون اللّب (المستخرج)(xiv) السياسي (نضال الطبقات) سيكون منظومة اجتماعية إيجابية للتطوّر، كما هو في الفكرة التاريخانية التطورية الماركسية (المشابهة) عن التطوّر. من جهة أخرى، فالسياسة «النقية» التي «ترفع التلطيخ» عن الاقتصاد ليست أقلّ أيدولوجية: الاقتصادية الفجّة والمثالية الأيدولوجية ـ السياسية هما وجهان للعملة نفسها. البنية هنا لها طابع الدوران الداخلي: «النضال الطبقي» هو سياسة في قلب الاقتصاد ذاته. أو لو قلنا ذلك بشكلٍ متناقض: يستطيع المرء أن يختصر كلّ المضامين السياسية والقانونية والثقافية إلى أصلٍ اقتصادي، ويفكّ شفرتها على أنَّها «التعبير» عنه ـ كلّ المضامين ـ باستثناء الصراع الطبقي، هي سياسة بداخل الاقتصاد ذاته(25). النضال الطبقي بالتالي هو مصطلح وسيط فريد، بينما يربط السياسة بالاقتصاد (كلّ السياسة هي «في النهاية» تعبير عن النضال الطبقي)، فهو يساند على الفور اللحظة السياسية غير ممكنة الاختصار في قلب الاقتصاد ذاته.

الذي يقبع في هذه التناقضات هو الفائض الأساسي للتمثيل على الممثّل الذي يبدو أنَّ ماركس سها عنه. بكلماتٍ أخرى، بدلًا من العديد من التحليلات الواضحة (كتلك التي في كتاب الثامن عشر من برومير)، فقد اختصر ماركس الدولة في النهاية إلى ظاهرة ثانوية لـ«القاعدة الاقتصادية»؛ وهكذا فالدولة محدّدة بمنطق التمثيل: أيُّ طبقةٍ تمثِّلُها الدولة؟ التناقض هنا هو هذا التجاهل للعبء التام لصناعة الدولة التي وَلّدت الدولة الستالينية، التي يبررها المرء بالضبط بأن يطلق عليها «اشتراكية الدولة». كان لينين ـ بعد نهاية الحرب الأهلية، التي تركت روسيا محطّمة وعمليًّا بلا طبقة عاملة (معظم العمال فنَوا وهم يحاربون الثورة المضادّة) ـ منزعجًا بالفعل من مشكلة تمثيل الدولة: ما «القاعدة الطبقية» للدولة السوفيتية الآن؟ من كانت تمثّله إلى حدِّ أنَّها تزعم أنَّها ستكون دولة الطبقة العاملة، في حين أنَّ الطبقة العاملة اُختُصِرَت إلى أقلِّية صغيرة؟ الذي نسي لينين تضمينه في سلسلة المرشَّحين المحتملين لهذا الدور هو الدولة (الجهاز) ذاتها، آلة الملايين القوية التي تُقوِّم القوّة الاقتصادية ـ السياسية. كالنكتة التي اقتبسها لاكان ـ «لديّ ثلاثة أشقّاء؛ بول، وآرنست، وأنا» ـ فالدولة السوفيتية مَثَّلت ثلاث طبقات: الفلّاحين الفقراء، العمّال، ونفسَها. أو ـ ولنقل ذلك بمصطلحات إيشفان ميساروش(xv) ـ نسي لينين أن يضع في الاعتبار دور الدولة داخل «القاعدة الاقتصادية» كعامل أساسي. بعيدًا عن منع تنامي الدول الطاغية المتحرّرة من أيِّ آلية للتحكُّم الاجتماعي، فهذا التجاهل فتح فضاء قوّة غير مقيّدة للدولة: فقط لو اعترفنا بأنَّ الدول لا تمثّل فقط الطبقات الاجتماعية الخارجة عن نفسها ولكن تمثّل نفسها أيضًا، سنُقاد لنطرح تساؤلًا عمَّا سيحتوي قوّة الدولة.

يميل توماس فرانك(xvi) لوصف التناقض في المحافظة الشعبوية في الولايات المتّحدة اليوم، الفرضية الأساسية فيها هي الهُوَى بين المصالح الاقتصادية والأسئلة «الأخلاقية»(26). بكلماتٍ أخرى، فالمعارضة الطبقية الاقتصادية (الفلّاحون الفقراء والعمال ذوو الياقات الزرقاء في مواجهة المحامين وموظّفو البنوك، والشركات الكبيرة) تنتقل أو تُفَكّ شفرتها لتكون معارضة بين الأمريكان المسيحيِّين المخلصين كثيري العمل والليبراليين المنحلّين الذين يشربون اللاتيه ويقودون سيارات أجنبية، يدافعون عن الإجهاض والمِثْلية الجنسية، ويسخرون من التضحيات الوطنية، وأسلوب حياة الضواحي البسيط وهكذا. العدوّ بالتالي يُعرَف كـ«الليبرالي» الذي ـ من خلال تدخّل الدولة الفيدرالي (من النقل المدرسي المقاوم للعنصرية(xvii) إلى فرض التطوّر الدارويني والممارسات الجنسية المنحرفة ليتمّ تعليمها في الفصول) ـ يريد أن يُقوِّض طرق العيش الأمريكية الأصيلة. اقتراح المحافظين الشعبويِّين الاقتصادي المركزي بالتالي هو التخلُّص من الدولة القوية التي تفرض الضرائب على الكمِّ كثير العمل من أجل تمويل هذه التدخُّلات الضابطة، برنامجهم المختصر هو التالي: «ضرائب أقلّ، ضوابط أقلّ».

من المنظور الاعتيادي للتطلُّع العقلاني للمصلحة الذاتية، فتعارض هذا الموقف الأيدولوجي واضح: المحافظون الشعبويّون يصوّتون لأنفسهم بالضبط للخراب الاقتصادي. الضرائب الأقلّ وانعدام الضوابط تعني حرّية أكبر للشركات الكبرى التي ستقود الفلّاحين المُعدَمين إلى خارج العمل؛ تَدخُّل أقلّ للدولة يعني مساعدة فيدرالية أقلّ للفلّاحين الصغار؛ وفيما بعد سيسير الأمر هكذا. في أعين الشعبويين التبشيريّين الأمريكان تبدو الدولة قوّةً غريبة، وهي إلى جانب الأمم المتّحدة عميلةٌ لعدوِّ المسيح. إنَّها تنزع حرّية المؤمن المسيحي، وتُحرِّره من مسئولية الخدمة الأخلاقية، وبالتالي تُقوِّض الأخلاقية الفردانية التي تجعل كلًّا منَّا مهندس خلاصِه. ولكن كيف يكون هذا ملائمًا للانفجار غير المسبوق لمؤسّسات الدولة تحت حكم جورج و. بوش؟ لا عجب أنَّ الشركات الكبرى كانت مبتهجة بمثل هذا الهجوم التبشيري على الدولة؛ عندما تحاول الدولة أن تضبط اتحادات الإعلام، وتضع قيودًا على شركات الطاقة، وتدعم ضوابط تلوث الهواء، وتحمي الحياة البرية وتحدّد الدخول إلى الحدائق الوطنية... إلخ. المفارقة المطلقة للتاريخ هي أنَّ الفردانية الراديكالية تُستَخدَم كتبرير أيدولوجي للقوّة غير المقيّدة لما يختبره الجانب الأعظم كقوّة مجهولة تضبط حياتهم بدون أيِّ رقابة عامّة.

بالنسبة للجانب الأيدولوجي لنضالهم، فمن الواضح بقوّة أنَّ الشعبويّين يخوضون حربًا لا يمكن لهم أن يفوزوا بها ببساطة: إن استطاع الجمهوريّون أن يحظروا الإجهاض، إن منعوا تعليم التطوّر، إن فرضوا الرقابة على هوليود والثقافة الجماهيرية، فهذا لن يؤدِّي فقط لهزيمتهم الأيدولوجية الفورية، ولكن أيضًا إلى كساد واسع المدى في الولايات المتّحدة. الناتج بالتالي سيكون تكافلًا ضعيفًا: على الرغم من أنَّ «الطبقة الحاكمة» ترفض الأجندة الأخلاقية للشعبويّين، فهي تتسامح مع «الحرب الأخلاقية» لأنَّها تعني الحفاظ على الطبقات الأدنى تحت السيطرة، وتسمح لهم بالتعبير عن غضبهم بدون إزعاج المصالح الاقتصادية القائمة. ما يعنيه هذا هو أنَّ الحرب الثقافية هي حربٌ طبقية في حالة إزاحة ـ ذلك بالنسبة لمن يزعمون أنَّنا نعيش في مجتمع ما بعد الطبقية.

Pages