أنت هنا

قراءة كتاب خلود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خلود

خلود

راوية "خلود" للكاتب الفلسطيني سمير الجندي، يسجل من خلالها العلاقات الإنسانيةً، والهموم الشخصية، وواقع تعيشه مدينة القدس حيثُ تتصارع حولها الأحلام والأماني، ونزعات الخير والشر، وبقاء الحياة والوجود بين الأنا والآخر , 

تقييمك:
4
Average: 4 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 6
ساد صمت رهيب لم يجرؤ أي من الرجال التفوه بكلمة، قبض أبو زهير على يدي وشدها حتى خيل إليَّ بأنه ينتزعها من مكانها، وهمس بأذني قائلاً: - ابق هنا بجانبي، لا تتحرك.
 
بعد أن أنهى الجندي تهديداته، صرخ قائلاً:
 
- هيا تفرقوا ... تفرقوا ... تفرقوا ...
 
 كان بيتنا في حوش الشاي، في حارة الشرف، وبيت أبو زهير يقع في نفس الحوش نشترك بساحة صغيرة تتوسط البيتين، كنا نعيش كعائلة واحدة، لم أُدرك أننا من عائلتين مختلفتين إلا مؤخراً كنت احسب أبا زهير فرداً من أفراد عائلتي، فكنت أناديه العم "أبو زهير"...
 
عدنا إلى الملجأ، وهو عبارة عن إسطبل تقاسمناه مع حمير وبغال الحاج عطوان، يحمينا من القصف والدمار.. كان معتماً، قذراً، لم تغادره رائحة الروث رغم محاولات تنظيفه المتكررة، يقع تحت منازل الحي في حوش الغزلان، داخل دهليز معتم، لا يبعد كثيراً عن فُرن الحاج يِّتمْ، ومنزل "الست أُميلا"(الداية) التي ولدت معظم نساء الحي والأحياء الأخرى في البلدة القديمة، بل إن سمعتها وصلت إلى خارج المدينة...
 
للملجأ بوابة واحدة، ضخمة، أرضيته من التراب المشبع بالبرودة، وجدرانه عارية، تبرز حجارته من كل جانب، بعضها صغير بحجم حبة جوز الهند، وبعضها ضخم كتلك التي بني منها سور القدس، ولا توجد له منافذ أو فتحات...
 
اختلطت رائحة الروث الحادة برائحة الأنفاس، امتزجت مع الخوف، وانتظار المجهول الذي يقع تحت جلودنا الملتصقة بجدران الملجأ الباردة، كانت أعداد الأطفال كبيرة جدا يصارعون الجوع والعطش والحبس ببكائهم المتواصل ، كان الرجال يتبرمون من بكائهم في البداية ولكنهم تعودوا عليه بعد ذلك، وكانت الأمهات تحاولن إلهائهم بأثداء فارغة من كل شيء ما عدا الخوف الممزوج بالحنان...
 
كان قبل كل انفجار يصدر صفيراً مرعباً يعقبه دعوات وصلوات، فنلتصق بأجساد أمهاتنا مرعوبين خائفين ، وتهتز الجدران كمن يطوح بها،  فيصفق الباب معلناً سقوط قذيفة أخرى في مكان ما...
 
    تمتمات وأدعية وخشوع وخوف، وانتظار... انتظار صفير آخر...

الصفحات