أنت هنا

قراءة كتاب الفنون التشكيلية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفنون التشكيلية

الفنون التشكيلية

إذا انتشر الظلام وتلاشى الجمال والفن بين ثناياه المدلهمة تحوّل الكون إلى عدمية محزنة. وإلى كآبة تامة، يلفّها ضباب الضجر.
وهل يمكن العيش هناك بين تلك الثنايا والبشاعة.
لولا الجمال والحب والفن ولولا الصورة والتعبير.

تقييمك:
4.6
Average: 4.6 (5 votes)
الصفحة رقم: 7
الفن .. ما هو؟
 
الجواب ليس صعباً عند بول فاليري: «إنه ما يبعث على اليأس»؛ وعند بيرنسون: «إنه ما يسبب اللذة»؛ وبالنسبة لأرسطو وألان «وهو ما ينظم الشهوات»؛ ورودان يعتبر الفن أنه «ما يهدف إلى تمرين الفكر على فهم العالم»؛ وتوماس مان يقول: «إنه مجرد تعزية»؛ وأفلوطين يراه أنه «علامة شيء آخر بالإضافة إلى نفسه»؛ أما ألان فيراه أنه «علامة نفسه فقط»... ولو تابعنا البحث عن التحديدات المعطاة إلى الفن خلال التاريخ، لتأكد لنا أنها ذات تنوع، وتناقض يظهر أنه من بين كل ما أنتجه الإنسان خلال التاريخ يبقى الفن الأكثر غموضاً، ويعقد مسيرة كل محاولة تهدف إلى دراسة الفن كأحد العلوم الإنسانية، كالاقتصاد أو السياسة أو التاريخ أو الاجتماع، أي كل محاولة تهدف إلى استخلاص قوانين من تاريخ الفن لتفسير ولادته وتطوره وقيمته وانحطاطه.
 
يعود أول إنتاج فني وصل إلينا إلى العصر الأوريناسي، أي إلى حوالي أربعين ألف سنة قبل الميلاد، وما بقي من فن تلك الحقبة هو عبارة عن بضعة رسوم وحوالي عشرة تماثيل عُثر عليها في بعض أرجاء آسيا الصغرى. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم يستحيل الحديث عن أي مجتمع لم يعرف الفن على الإطلاق.
 
أحياناً، وفي بعض الظروف التاريخي الحرج، كالحروب والكوارث الطبيعية والأزمات التي تهدد مصير مجتمع ما، يعتقد البعض أن الاهتمام بالفن والجمال ليس له ما يبرره. ولكن التاريخ يظهر لنا عكس ذلك. فكم من المدن والمجتمعات البشرية والحضارات، التي تعرضت للتدمير الإبادة خلال التاريخ؟ كم من الناس تعرضوا لقوى الشر والهزيمة السياسية والعسكرية والأزمات الحياتية التي غيرت في مصائرهم؟ ومع ذلك كان الفن دائماً موجوداً حتى عند أكثر الشعوب خشونة وقسوة، والتي نسميها في العصر الحديث «بربرية»، وعند أكثر الشعوب تعرضاً للهزائم والاضطهاد والإذلال.
 
من الممكن أن يتعرض إنتاج فني معين للانقطاع نتيجة كارثة معينة. ويمكن لبعض الأعمال الفنية أن تدمر وأن تفنى في ظروف عينة. ولكن الفن كان يولد من جديد باستمرار. وهذا ما يؤكد على أن الفن ليس جزءاً من الكماليات، بل إن الحاجة التي يجيب عليها هي أساسية. إنه ضروري.
 
حتى منتصف القرن التاسع عشر، كان الفكر الأوروبي يتوقف عند تطلعه إلى الفن أمام الجمال. وهذا ما دفع هيغل إلى أن يكتب في الفصل الأول من الجزء الأول من كتابه «علم الجمال» - وكأن الأمر يأتي بمثابة تحذير - ما يأتي: «يبدو أن الفن عاجز عن تقديم نفسه كموضوع لدراسة علمية، لأنه إنتاج صادر عن الخيال الذي يتمتع بكل غنى الطبيعة، بالإضافة إلى إمكانية خلق أشكال جديدة يستخلصها من نفسه. أما كل علم فهو علم الضروري، وليس علم صدفي». ومن هذا القول يبدو أن هيغل استعمل عبارة «الفن» بدلاً من عبارة «الجمال»، خاصة وأننا نعرف جميعاً أن دراسته كانت حول علم الجمال. أما الاعتراف بأن للفن، أي للجمال الاصطناعي، وظيفة معينة، ودراسة وظيفة الفن ودوره الاجتماعي ومحاولات استكشاف القوانين التي سادت تاريخ الفن، كأنها أمور لم تبدأ إلا بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

الصفحات