أنت هنا

قراءة كتاب المثل الثائر في أدب الكاتب والشاعر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المثل الثائر في أدب الكاتب والشاعر

المثل الثائر في أدب الكاتب والشاعر

واعلم أيها الناظر في كتابي أن مدار علم البيان على حاكم الذوق السليم الذي هو أنفع من ذوق التعليم وهذا الكتاب وإن كان فيما يلقيه إليك أستاذا وإذا سألت عما ينتفع به في فنه قيل لك هذا فإن الدربة والإدمان أجدى عليك نفعا وأهدى بصراً وسمعاً وهما يريانك الخبر عيانا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 3
الفصل الثاني في آلات علم البيان و أدواته
 
اعلم أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم و المنثور تفتقر إلى آلات كثيرة وقد قيل‏:‏ ينبغي للكاتب أن يتعلق بكل علم حتى قيل‏:‏ كل ذي علم يسوغ له أن ينسب نفسه إليه فيقول‏:‏ فلان النحوي وقلان الفقيه وفلان المتكلم ولايسوغ له أن ينسب نفسه إلى الكتابة فيقول‏:‏ فلان الكاتب وذلك لما يفتقر إليه من الخوض في كل فن‏.‏
 
وملاك هذا كله الطبع فإنه إذا لم يكن ثم طبع فإنه لا تغني تلك الآلات شيئاً ومثال ذلك كمثل النار الكامنة في الزناد والحديدة التي يقدح بها ألا ترى أنه إذا لم يكن في الزناد نار لا تفيد تلك وكثيراً ما رأينا و سمعنا من غرائب الطباع في تعلم العلوم حتى إن بعض الناس يكون له نفاذ في تعلم علم مشكل المسلك صعب المأخذ فإذا كلف تعلم ما هو دونه من سهل العلوم نكص على عقبتيه ولم يكن فيه نفاذ‏.‏
 
وأغرب من ذلك أن صاحب الطبع في المنظوم يجيد في المديح دون الهجاء أو في الهجاء دون المديح أو يجيد في المراثي دون التهاني أو في التهاني دون المراثي وكذلك صاحب الطبع في المنثور هذا ابن الحريري صاحب المقامات قد كان على ما ظهر عنه من تنميق المقامات واحداً في فنه فلما حضر ببغداد ووقف على مقاماته قيل‏:‏ هذا يستصلح لكتابة الإنشاء في ديوان الخلافة ويحسن أثره فيه فأحضر وكلف كتابة كتاب فأفحم ولم يجر لسانه في طويلة و لا قصيرة فقال فيه بعضهم‏:‏ شيخ لنا من ربيعة الفرس ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان و قد ألجمه في بغداد بالخرس وهذا مما يعجب منه‏.‏
 
وسئلت عن ذلك فقلت‏:‏ لا عجب لأن المقامات مدراها جميعها على حكاية تخرج إلى مخلص‏.‏
 
وأما المكاتبات فإنها بحر لا ساحل له لأن المعاني تتجدد فيها بتجدد حوادث الأيام و هي متجددة على عدد الأنفاس ألا ترى أنه إذا خطب الكاتب المفلق عن دولة من الدول الواسعة التي يكون لسلطانها سيف مشهور و سعي مذكور ومكث على ذلك برهة يسيرة لا تبلغ عشر سنين فإنه يدون عنه من المكاتبات ما يزيد على عشرة أجزاء كل جزء منها أكبر من مقامات الحريري حجماً لأنه إذا كتب في كل يوم كتاباً واحداً اجتمع من كتبه أكثر من هذه العدة المشار إليها وإذا نخلت وغربلت واختير الأجود منها إذ تكون كلها جيدة فيخلص منها النصف وهو خمسة أجزاء والله يعلم ما اشتملت عليه من الغرائب والعجائب وما حصل في ضمنها من المعاني المبتدعة على أن الحريري قد كتب في أثناء مقاماته رقاعاً في مواضع عدة فجاء بها منحطة عن كلامه في حكاية المقامات لا بل جاء بالغث البارد الذي لا نسبة له إلى باقي كلامه فيها وله أيضاً كتابة أشياء خارجة عن المقامات وإذا وقف عليها أقسم أن قائل هذه ليس قائل هذه لما بينهما من التفاوت البعيد‏.‏

الصفحات