كتاب "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم"، لِلْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ مُحَلَّى بِأَحْكَامِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِعْدَاد وَتَخْرِيج حازم خنفر، ويقول الأخير
أنت هنا
قراءة كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم
مقدمة المصنف
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، وجعل أمتنا _ وللَّه الحمد _ خير أمة ، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ، ويزكينا ، ويعلمنا الكتاب والحكمة .
أحمده على نعمه الجمة ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ؛ شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله للعالمين رحمة ، وفوَّض إليه بيان ما أنزل إلينا ، فأوضح لنا كل الأمور المهمة ، وخصه بجوامع الكلم ، فربما جمع أشتات الحكم والعلوم في كلمة أو في شطر كلمة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ؛ صلاةً تكون لنا نوراً من كل ظلمة ، وسلم تسليماً .
أما بعد :
فإن الله _ سبحانه وتعالى _ بعث محمداً ﷺ بجوامع الكلم ، وخصَّه ببدائع الحكم ؛ كما في «الصحيحين» ، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال : «بعثت بجوامع الكلم» ، قال الزهري _ رحمه الله _ : (جوامع الكلم) فيما بلغنا : أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين _ ونحو ذلك _ [رواه البخاري (7013) ، و مسلم (523)] .
وخرَّج الإمام أحمد مِن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : خرج علينا رسول الله ﷺ يوماً كالمودع ، فقال : «أنا محمد النبي الأمي _ قال ذلك ثلاث مرات _ ، ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم ، وخواتمه ، وجوامعه...» وذكر الحديث .
وخرَّج أبو يعلى الموصلي مِن حديث عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ ، عن النبي ﷺ ، قال : «إني أوتيت جوامع الكلم ، وخواتمه ، واختصر لِي اختصاراً» [ضعيف ، «ضعيف الجامع الصغير» (949)] .
وخرَّج الدارقطني _ رحمه الله _ من حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _ ، عن النبي ﷺ ، قال : «أعطيت جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصاراً» .
وروينا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق القرشي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أعطيت فواتح الكلم ، وخواتمه ، وجوامعه» ، فقلنا : يا رسول الله ! علِّمنا مما علمك الله _ عز وجل _ ، قال : فعلمنا التشهد [صحيح لغيره ، «الصحيحة» (1483)] .
وفي «صحيح مسلم» ، عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي ﷺ سئل عن البتع والمزر ؟ قال : وكان رسول الله ﷺ قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه ، فقال : «أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة» [رواه البخاري (4343) ، و مسلم (1733)] .
وروى هشام بن عمار في (كتاب المبعث) بإسناده ، عن أبي سالم الحبشي ، قال : حُدِّثت أن النبي ﷺ كان يقول : «فُضلت على من قبلي بِستٍّ ، ولا فخر...» ، فذكر منها جوامع الكلم ، قال : «وأعطيت جوامع الكلم» .
وكان أهل الكتاب يجعلونها جزءاً بالليل إلى الصباح ، فجمعها لي ربي في آية واحدة : ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سورة الحديد:1] .
فجوامع الكلم التي خصَّ بها النبي ﷺ نوعان :
أحدهما : ما هو في القرآن ؛ كقوله _ عز وجل _ :﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [سورة النحل:90] ، قال الحسن : لَم تترك هذه الآية خيراً إلا أمرت به ، ولا شرًّا إلا نهت عنه) .
والثاني : ما هو في كلامه ﷺ ، وهو منتشر موجود في السنن المأثورة عنه ﷺ ، وقد جمع العلماء جموعاً مِن كلماته ﷺ الجامعة ؛ فصنَّف الحافظ أبو بكر بن السني كتاباً سماه : «الإيجاز وجوامع الكلم من السنن المأثورة» ، وجمع القاضي أبو عبد الله القضاعي مِن جوامع الكلم الوجيزة كتاباً سماه : «الشهاب في الحكم والآداب» ، وصنَّف على منواله قوم آخرون ، فزادوا على ما ذكره زيادة كثيرة ، وأشار الخطابي في أول كتابه «غريب الحديث» إلى يسير من الأحاديث الجامعة ، وأملى الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح مجلساً سماه الأحاديث الكلية ، جمع فيه الأحاديث الجوامع التي يقال : إن مدار الدين عليها وما كان في معناها مِن الكلمات الجامعة الوجيزة ، فاشتمل مجلسه هذا على ستة وعشرين حديثاً ، ثم إن الفقيه الإمام الزاهد القدوة أبا زكريا يحيى النووي _ رحمة الله عليه _ أخذ هذه الأحاديث التي أملاها ابن الصلاح ، وزاد عليها تمام اثنين وأربعين حديثاً ، وسمى كتابه بِـ«الأربعين» ، واشتهرت هذه الأربعون التي جمعها ، وكثر حفظها ، ونفع الله بها ببركة نية جامعها وحسن قصده _ رحمه الله تعالى _ .