أنت هنا

قراءة كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

كتاب "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم"، لِلْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ مُحَلَّى بِأَحْكَامِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِعْدَاد وَتَخْرِيج حازم خنفر، ويقول الأخير

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وروى فيه بإسناد منقطع ، عن عمر _ رضي الله عنه _ ، قال : أفضل الأعمال : أداء ما افترض الله _ عز وجل _ ، والورع عما حرم الله _ عز وجل _ ، وصدق النية فيما عند الله _ عز وجل _ .
وبهذا يعلم معنى ما روى الإمام أحمد أن أصول الإسلام ثلاثة أحاديث : حديث : «الأعمال بالنيات»، وحديث : «من أحدث في أمرنا ما ليس منه ؛ فهو رد»، وحديث : «الحلال بين ، والحرام بين» .
فإن الدين كله يرجع إلى فعل المأمورات ، وترك المحظورات ، والتوقف عن الشبهات ، وهذا كله تضمنه حديث النعمان بن بشير ، وإنما يتم ذلك بأمرين :
أحدهما : أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنة ، وهذا هو الذي تضمنه حديث عائشة : «من أحدث في أمرنا ما ليس منه ؛ فهو رد» .
والثاني : أن يكون العمل في باطنه يقصد به وجه الله _ عز وجل _ كما تضمنه حديث عمر : «الأعمال بالنيات» .
وقال الفضيل في قوله _ تعالى _ : ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [سورة هود:7] ، قال : (أخلصه ، وأصوبه) ، وقال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً ؛ لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً ؛ لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً ، قال : والخالص إذا كان لله _ عز وجل _ ، والصواب إذا كان على السنة .
وقد دل على هذا الذي قاله الفضيل قول _ عز وجل _ : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [سورة الكهف:110] .
وقال بعض العارفين : إنما تفاضلوا بالإرادات ، ولم يتفاضلوا بالصوم والصلاة .
قوله ﷺ : «... فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ؛ فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه» : لما ذكر ﷺ أن الأعمال بحسب النيات ، وأن حظ العامل من عمله نيته من خير أو شر ، وهاتان كلمتان جامعتان ، وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء ؛ ذكر بعد ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي صورتها واحدة ، ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات ، وكأنه يقول : سائر الأعمال على حذو هذا المثال .
وأصل الهجرة هجران بلد الشرك ، والانتقال منه إلى دار الإسلام ، كما كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى مدينة النبي ﷺ ، وقد هاجر من هاجر منهم قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النجاشي ، فأخبر ﷺ أن هذه الهجرة تختلف باختلاف المقاصد والنيات بها ، فمن هاجر إلى دار الإسلام حبًّا لله ورسوله ، ورغبةً في تعلم دين الإسلام وإظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك ؛ فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقًّا ، وكفاه شرفاً وفخراً أنه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله .
ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه ؛ لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة ، ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام لطلب دنيا يصيبها أو امرأةً ينكحها في دار الإسلام ؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك ، فالأول تاجر ، والثاني خاطب ، وليس واحد منهما بمهاجر .
وفي قوله : «إلى ما هاجر إليه» تحقير لما طلبه من أمر الدنيا ، واستهانة به ؛ حيث لم يذكر بلفظه ، وأيضاً : فالهجرة إلى الله ورسوله واحدة ، فلا تعدد فيها ، فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط .
والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر ؛ فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارةً ، ومحرمة أخرى ، وأفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر ، فلذلك قال : «فهجرته إلى ما هاجر إليه» ؛ يعني : كائناً ما كان .
وقد روي عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ في قوله _ تعالى _ : ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...﴾ _ الآية _ [سورة الممتحنة:10] ، قال : كانت المرأة إذا أتت النبي ﷺ ؛ حلفها بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبةً بأرض عن أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبًّا لله ورسوله ، خرجه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، والبزار في «مسنده» ، وخرجه الترمذي في بعض نسخ كتابه مختصراً .
وقد روى وكيع في كتابه ، عن الأعمش ، عن شقيق _ هو أبو وائل _ ، قال : خطب أعرابي من الحي امرأةً يقال لها : أم قيس ، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر ، فهاجر ، فتزوجته ، فكنا نسميه مهاجر أم قيس ، قال : فقال عبد الله _ يعني : ابن مسعود _ : من هاجر يبتغي شيئاً ؛ فهو له .
وهذا السياق يقتضي أن هذا لم يكن في عهد النبي ﷺ ، وإنما كان في عهد ابن مسعود ، ولكن روي من طريق سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، قال : كان فينا رجل خطب امرأةً يقال لها : أم قيس ، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر ، فهاجر ، فتزوجها ، فكنا نسميه مهاجر أم قيس ، قال ابن مسعود : من هاجر لشيء ؛ فهو له .
وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس هي كانت سبب قول النبي ﷺ : «من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها» ، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ، ولم نر لذلك أصلاً بإسناد يصح _ والله أعلم _ .
وسائر الأعمال كالهجرة في هذا المعنى ، فصلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها ؛ كالجهاد والحج _ وغيرهما _ .
وقد سئل النبي ﷺ عن اختلاف نيات الناس في الجهاد وما يقصد به من الرياء ، وإظهار الشجاعة ، والعصبية _ وغير ذلك _ ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ؛ فهو في سبيل الله» ، فخرج بهذا كل ما سألوا عنه من المقاصد الدنيوية :
ففي «الصحيحين» ، عن أبي موسى الأشعري ، أن أعرابيًّا أتى النبي ﷺ ، فقال : يا رسول الله ! الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله ﷺ : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ؛ فهو في سبيل الله» [رواه البخاري (123) ، ومسلم (1904)] .

الصفحات