أنت هنا

قراءة كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

كتاب "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم"، لِلْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ مُحَلَّى بِأَحْكَامِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِعْدَاد وَتَخْرِيج حازم خنفر، ويقول الأخير

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

وخرج الإمام أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة _ وكان من الصحابة _ ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ؛ نادى مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله _ عز وجل _ ؛ فليطلب ثوابه من عند غير الله _ عز وجل _ ؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك»[حسن ، «صحيح سنن ابن ماجه» (3407)].
وخرج البزار في «مسنده» من حديث الضحاك بن قيس ، عن النبي ﷺ ، قال : «إن الله _ عز وجل _ يقول : أنا خير شريك ، فمن أشرك معي شريكاً ؛ فهو لشريكي ، يا أيها الناس ! أخلصوا أعمالكم لله _ عز وجل _ ؛ فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أخلص له ، ولا تقولوا : هذا لله والرحم ؛ فإنها للرحم ، وليس لله منها شيء ، ولا تقولوا : هذا لله ولوجوهكم ؛ فإنها لوجوهكم ، وليس لله منها شيء»[صحيح ، «الصحيحة» (2764)].
وخرج النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي ، أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ ، فقال : يا رسول الله ! أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ؟ فقال رسول الله ﷺ : «لا شيء له» ، فأعادها عليه ثلاث مرات يقول له رسول الله ﷺ : «لا شيء له» ، ثم قال : «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً ، وابتغي به وجهه» [حسن صحيح ، «صحيح سنن النسائي» (3140)] .
وخرج الحاكم من حديث ابن عباس ، قال : قال رجل : يا رسول الله ! إني أقف الموقف أريد به وجه الله ، وأريد أن يرى موطني ، فلم يرد عليه رسول الله ﷺ شيئاً حتى نزلت : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ...﴾ _ الآية _ [سورة الكهف:110] [ضعيف ، «ضعيف الترغيب والترهيب» (9)].
وممن روي عنه هذا المعنى _ أن العمل إذا خالطه شيء من الرياء ؛ كان باطلاً _ طائفة من السلف : منهم : عبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، والحسن ، وسعيد بن المسيب _ وغيرهم _ .
وفي مراسيل القاسم بن مخيمرة ، عن النبي ﷺ قال : «لا يقبل الله عملاً فيه مثقال حبة خردل من رياء»[ضعيف مرسل ، «ضعيف الترغيب والترهيب» (22)].
ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين ، فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء ؛ مثل أخذ أجرة للخدمة ، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة ؛ نقص بذلك أجر جهادهم ، ولم يبطل بالكلية .
وفي «صحيح مسلم» ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي ﷺ ، قال : «إن الغزاة إذا غنموا غنيمةً ؛ تعجلوا ثلثي أجرهم ، فإن لم يغنموا شيئاً ؛ تم لهم أجرهم»[رواه مسلم (1906)].
وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضاً من الدنيا أنه لا أجر له ، وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا .
وقال الإمام أحمد : التاجر ، والمستأجر ، والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ، ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره .
وقال _ أيضاً _ فيمن يأخذ جعلاً على الجهاد إذا لم يخرج لأجل الدراهم : فلا بأس أن يأخذ كأنه خرج لدينه ، فإن أعطي شيئاً ؛ أخذه .
وكذا روي عن عبد الله بن عمرو ، قال : إذا أجمع أحدكم على الغزو ، فعوضه الله رزقاً ؛ فلا بأس بذلك ، وأما إن أحدكم إن أعطي درهماً غزا ، وإن منع درهماً مكث ؛ فلا خير في ذلك .
وكذا قال الأوزاعي : إذا كانت نية الغازي على الغزو ؛ فلا أرى بأساً .
وهكذا يقال فيمن أخذ شيئاً في الحج ليحج به إما عن نفسه أو عن غيره .
وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الجمال ، وحج الأجير ، وحج التاجر : هو تام لا ينقص من أجورهم شيء .
وهو محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب ، وأما إن كان أصل العمل لله ، ثم طرأت عليه نية الرياء ؛ فإن كان خاطراً ، أو دفعه ؛ فلا يضره بغير خلاف ، وإن استرسل معه ، فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟
في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد ، وابن جرير الطبري ، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك ، وأنه يجازى بنيته الأولى ، وهو مروي عن الحسن البصري _ وغيره _ .
ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في «مراسيله» ، عن عطاء الخراساني ، أن رجلاً قال : يا رسول الله ! إن بني سلمة كلهم يقاتل ، فمنهم من يقاتل للدنيا ، ومنهم من يقاتل نجدةً ، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله ، فأيهم الشهيد ؟ قال : «كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا».
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله _ كالصلاة ، والصيام ، والحج _ ، فأما ما لا ارتباط فيه _ كالقراءة ، والذكر ، وإنفاق المال ، ونشر العلم _ ؛ فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ، ويحتاج إلى تجديد نية .
وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي أنه قال : ربما أحدث بحديث ولي فيه نية ، فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي ، فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات .
ولا يرد على هذا الجهاد _ كما في مرسل عطاء الخراساني _ ؛ فإن الجهاد يلزم بحضور الصف ، ولا يجوز تركه حينئذ ، فيصير كالحج ، فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته ، واستبشر بذلك ؛ لم يضره ذلك .
وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر ، عن النبي ﷺ أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه ؟ فقال : «تلك عاجل بشرى المؤمن» ، خرجه مسلم[رواه مسلم (2642)].
وخرجه ابن ماجه ، وعنده : الرجل يعمل العمل ، فيحبه الناس عليه [رواه مسلم (2642)] .
وبهذا المعنى فسره الإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وابن جرير الطبري _ وغيرهم _ .
وكذلك الحديث الذي خرجه الترمذي ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة _ رضي الله عنه _ ، أن رجلاً قال : يا رسول الله ! الرجل يعمل العمل ، فيسره ، فإذا اطلع عليه ؛ أعجبه ، فقال : «له أجران : أجر السر ، وأجر العلانية»[ضعيف ، «ضعيف سنن ابن ماجه» (4980)].
ولنقتصر على هذا المقدار من الكلام على الإخلاص والرياء ؛ فإن فيه كفايةً .
وبالجملة : فما أحسن قول سهل بن عبد الله : ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص ؛ لأنه ليس لها فيه نصيب .
وقال يوسف بن الحسين الرازي : أعز شيء في الدنيا الإخلاص ، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر .
وقال ابن عيينة : كان من دعاء مطرف بن عبد الله : اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ، ثم عدت فيه ، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ، ثم لم أف لك به ، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك ، فخالط قلبي منه ما قد عملت .

الصفحات