أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

الفصل الأول

تمهيد

تدريجاً ومنذ أن كان الإنسان على الأرض، وبدأ تعاقب السنوات، أخذنا نحن البشر ننشئ معرفتنا بأنفسنا وبالأشياء التي حولنا ونستخدمها بأشكال مختلفة، ولا نزال نبحث في ما لا نعرفه وعما لا نعرفه، فعرفنا شيئاً وغابت عنا أشياء.
مما ساهم في مكث الذات البشرية بين نور المعرفة والعلم والفهم وظلام الجهل، بين الحقائق الجوهرية والمقبولة والمعلنة، بين الصواب والخطأ، وغاصت في متاهة الارتباك في مساحات زمانية ساهمت وتساهم في إعادة إنتاجها وصوغها على نحو ما.
العودة إلى الذات وخصوصاً العربية ووضعها على بساط البحث، لا تغفل أنها تخضع ذاتها في كل مرة للبحث، وأنها تبحث عن الحقيقة الجوهرية لذاتها، غير أن ذلك لا يعني تماماً أنها قادرة على الوصول إليها، وإذا وصلت قد لا تكون قادرة على الغوص على جوهرها وفهمها.
ففي كل مرة يجري فيها البحث نجدنا أمام حجاب جديد، تحتجب خلفه الذات، عن وعي وإدراك أو من غير وعي وغير إدراك، أو عن بداهة، وتتعامل من خلفه مع ذاتها ومع الآخر، تقرأه وتراه مرآة لها، أحياناً، وترفضه أحياناً أخرى، وتثور عليه وتحاكمه. كل ذلك يؤسس لارتباكها وعدم استقرارها. في حاضرها وفي تداخل الصور والمخيالات عن ماضيها وتاريخها، وقلقها بشأن مستقبلها، فهي تعيش وهم السلف، ومشكلة المعاصرة، وهي ضائعة في البحث عن هويتها، وحقيقة انتمائها. وصدقيته ووعيها هذا الانتماء وعدمه؛ ففي حين يتشكل لديها وهم في العثور على حقيقتها وانتمائها ومرجعيتها يتشكل لديها نقطة شك في كل ذلك.
فهل يعني ذلك قصوراً في الإدراك والفهم؟ أم أن عملية الإدراك والفهم تصطدم بالتوهيمات المختلفة المصدر؟
هذا سؤال يتيح البحث عن حقيقة ما هي عليه الذات العربية اليوم؟ من توهيم والتباس في علاقتها مع ذاتها ومع الآخر، وكبت وانحباس وقهر وإفقار أنتج ما أنتج في تونس ومصر بدايات العام 2011م، ويتيح كذلك وضع ذاتها موضوعاً للبحث والقراءة، من خلال استعادتها واستحضارها بعيداً عن أوهام الأنا.
وبخلاف ما هو شائع عن الأنا، التي ترد مقابل (Ego) المفردة اللاتينية الرائجة في الاستعمال الفلسفي وعلم النفس التحليلي، والمترجمة إلى الفرنسية ب ـ (Je) وإنكليزية بـ (I) مقابل أنا المتكلم. فالأنا هي إناء، ووعاء ومستوعب الذات، الذي يمنعها من ممارسة ذاتها ووعيها، ويحجبها في ظهورها ويظهر من خلف حجابها»[1].
فالأنا بما هي عليه من وعاء للذات تجعلها في غفلة وتحيلها لاحقاً من اللواحق، فتصبح مبهمة أو محتجبة. ويدفعنا هذا إلى السؤال عن إمكانيات وعي الذات؟ وكيف يدرك الفرد ذاته؟ وكيف تدرك الجماعة ذاتها؟ خصوصاً إذا كان الموضوع لا يُعطى في ذاته ولا يُعقل بذاته من دون ذات «ولا ذات تستقل بذاتها عن الموضوع أو تدرك بمعزل عنه، بل ثمة تكوين وتبادل بين الذات والموضوع على نحو ما يجعل من غير الممكن التفكير في أحدهما دون الآخر»[2].
وفقاً لذلك ينبغي جعل الذات العربية موضوعاً للدراسة بذاته، ليصبح التبادل هنا بين الذات وذاتها لتبعثها متحررة من كل أوهام الحجب والإكراه، التي تشترط قراءتها، لأن الذات موجودة بذاتها، والموجود في وجوده ينبسط أمامنا ويحضر في النور والعلن، مثلما ينسحب وينحجب في لحظة إشراقه وانتشاره، وهكذا هي الذات العربية المعاصرة.

الصفحات