أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

1 ـ نقد الوعي: ما الوعي؟

الوعي هو صوت داخلي يدفعنا إلى مقاربة الأمر والشعور به وبوجوده وفهمه على نحو ما، وهو وجدان الأمر الدال على حقيقته أو على وجه أو أوجه من حقيقته، وهو الانتباه وفعل الإدراك وحصيلة نظر العقل في الأفكار والمعاني والمفاهيم، التي ينتجها الإنسان في معاناته واختباراته، وهو الموجود لذاته، هو المعرفة التي هي فعل حصول الذات ووعيها لذاتها وإدراكها الآخر.
الوعي هو علاقة الذات بذاتها، ومعرفتها لها، من خلال قراءتها بعيداً عن الأوهام، قراءة تؤدي إلى وعيها ذاتها وعياً معرفيّاً من دون أن يكون ذلك مجرد تصور أو رسم تصويري للحقيقة، على نحو ثبوتي يقيني، باعتبارها الواقع عينه مثلما جوهره، إذ للحقيقة التي ندركها أو نقبلها مستويات عديدة من الوجود منها:
ـ الوجود في العبارة، يتبدى في الكلام ومن خلال اللسان، وهذا النوع من الوجود له معانٍ عديدة أيضاً وبالتالي فهو متعدد الدلالات.
ـ الوجود في الذهن، كيف ندرك ونفهم ما نسمع وما نرى وما نحس، وكيف نفسّر ونحلل، وكذلك فإن هذا الوجود يأخذ أبعاداً عديدة.
ـ الوجود في الأعيان على مستوى الوجود العيني والمادي. وتتعلق تلك المستويات بعضها ببعض وهي شرط وجود ذاتها.
والوجود في العبارة ناتج من رؤية مباشرة أحياناً أو قبول، أدى إلى انطباع في الذهن، ورسم تصور ومثلما أن الانطباع ناتج من رؤية مباشرة أو قبول يُعبّر عنه باللفظ والتعبير، فالرؤية المباشرة تُنتج الانطباع وبالتالي العبارة، وهكذا يتولد شرط وجود الأول وجود الثاني والثالث مثلما أن شرط وجود الثاني وجود الأول والثالث وهكذا فإن شرط وجود الثالث هو وجود الأول والثاني.
إن الحديث عن الوعي هو حديث عن الفحص والنظر والتفسير والجدال والتأويل والتحليل والمعرفة والفهم وخلع الدلالات ورسم الانطباعات، وممارسة الذات، والانفتاح على العلاقة بالكون وعناصره، ونسج العلاقة بالوجود التي تتحقق من خلالها ذات الإنسان بأنماط وإيقاعات مختلفة.
فالمرءُ يُقيِّم علاقته بذاته عبر جسده ورغباته وعبر معرفته وعمله وسلوكه وما يحتاج إليه وما يريد وعبر النظر إلى السلطة ومعاييرها وأدواتها... إلخ، بمعنى آخر عبر تمفصل ذاته مع محيطها.
لذا يمكن الحديث والقول إن الوعي هو وعي فردي ووعي جماعي:
1 ـ الوعي الفردي: هو تعلم قواعد جديدة في التفكير وانفتاح العقل على آفاق، والوقوف على معانٍ لم يقف عندها من قبل، إنه وعي بذاته مغاير لما كان يعرفه المرء سابقاً،
2 ـ الوعي الجمعي: هو الرأي العام المشترك بين أفراد الجماعة، هو النسق الاعتقادي والشعوري المتعيّن اجتماعياً، المتولّد من تجربة الناس وعيشهم وتبادلهم المصالح والمنافع وتقـديـرها والتحرك تجاههـا، لغويـاً أو تنظيميـاً، ولو بعـد حين (مثال ثورة مصر على حسني مبارك في الأسبوع الأخيـر من كانون الثاني 2011م. وقبلها ثورة تونس على زين العابدين بن علي في النصف الأول من كانون الثاني 2011م).
ـ ما الرأي العام؟
الرأي العام موجود مجهول، يؤسس ويتولّد مع الخبر والحدث الذي ينتشر ذكره بين الناس، لكنه لا يُعلم ولا يُعرف إلا بالمبادرة إلى مراقبته وقياسه من خلال استطلاع للرأي أو استفتاء أو انتخابات أو تحرك مباشر لمجموع الناس مثل التظاهر والاعتصام... إلخ. مثال ثورة اليمن على الرئيس علي عبد اللَّه صالح، أو الاحتجاج في إيرلندا منتصف أيار 2011 على زيارة ملكة بريطانيا إليها.
يؤسس الرأي العام أو الرأي الجمعي، اعتباراً على الحدث أو الواقعة، وتأسيسه لا يحصل بقرار يتخذ ولا يتم بفعل عمل منظم، إنما هو فعل استيلاد ذاتي، يتكوّن عند الجماعة في عملية تفاعل تخاطرية بين أفراد المجتمع الواحد، وهو فعل المعرفة الجماعية والوعي والإدراك الجماعي.
يولد الرأي العام في اللاوعي الجمعي للجماعة، بشكل اتجاهات تسيطر عليه، إزاء مشكلة ما، وسط جمهور تربط بين أعضائه مصالح مشتركة، من خلال حالة من التخاطر تنتج من مؤثرات عديدة أهمها ثلاثة هي:
1 ـ التقاليد والأعراف.
2 ـ وحدة الذاكرة الجماعية.
3 ـ البنية المحيطة.
وما تبقى من عناصر وعوامل فهي تتصل إما بالمصالح السياسية أو الثقافية والفكرية وإما بالمصالح الاجتماعية والمعيشية للجماعة.
إن بروز الرأي العام، والتعرف إليه بأنه عملية تخاطرية تنتج عن مؤثرات ترتبط بحركة المجتمع الجماعية، يجعل منه ملازماً طبيعياً لوجود مجتمع حيوي تتمظر فيه أجواء التغيير والوضوح خصوصاً إنه مجتمع لديه منظومة من القِيم والعادات والتقاليد والأعراف تؤلف بين الأفراد نسيجاً من العلاقات الاجتماعية الأخرى وتجعل تمظهر الرأي والتعبير فيه مغايراً، فيختلف الرأي العام بذلك، اختلافاً كبيراً بين سائر المجتمعات، (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[3].
واختلاف القِيم والعادات والأعراف والمعايير والتقاليد بين المجتمعات يجعل لكل منها مستوى في الوعي الجمعي بطريقة مختلفة للأمور عن المجتمعات الأخرى، إذ إن الوعي الجمعي أو الرأي العام بمثابة حالة دائمة فكرية وغير فكرية في الوقت عينه للاستجابة بسلوك معيّن لنمط معين.
وهو شعور يتأسس لدى الجماعة، تدرك من خلاله مصالحها، وتصوغها في برامج عمل أو في نظرية ضمن رؤية محددة.
ويتأسس لدى الأفراد بلا وعي حتى تختص طريقة الرؤية عينها عند وعي شيء ما، فيرادف بذلك الاستلهام.

الصفحات