أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

3 ـ الذات وذاتها

أيهما الأصل وأيهما الفرع؟ هل الذات هي الأصل وذاتها هي الفرع؟ أم العكس هو الصحيح؟
الكلام على الذات وذاتها هو كلام على الأصل وجوهره مثلما هو كلام على الأصل والفرع، والفرع وأصله، فهل تدرك ذاتنا ذاتها؟ الواضح أن ذاتنا العربية تعاني في تعاملها مع ذاتها، أو في محاولة تعاملها، إذ بدا ولسنوات طويلة قبل الانتصار في لبنان على إسرائيل وقبل الثورات التي بدأت من تونس ومصر، أنها لا تُدرك ذاتها ولا ذاتها تفهمها، ولذلك فهي تعاملت معها بالمخاتلة والحجب، فما كان المطلوب للتعارف والفهم بين الذات وجوهرها؟
إن الكلام على الأصل والجوهر يبدو هو الأقرب إلى جعل الذات تبحث عن استكشاف ذاتها والتعرّف إليها والتعارف معها، ودفعها باتجاه الخلق والإبداع والفعل والبناء والتحول من موقع المتأثر إلى موقع المؤثر والمقرر في مجريات أمورنا وأحوالنا وأحداثنا وأفكارنا وخطابنا وما نريد ونرغب في أن يكون عليه مستقبلنا ومستقبل أولادنا.
ليس ثمة شك أن الأصل ينتج أصليته ويؤسسها، وكل أصل هو إعادة تأسيس وتأصيل، والأصل يخفي أصليته وأصوله، تماماً مثلما الفرع، والفرع هو الأصولي ولا معنى لفرع ولا وجود له من دون أصل، إذ هو مسوغ وجوده، ولكنه من غير المؤكد أن الأصل هو الذي يحدد عملية تطور الأصلية والأصولية، وتقدمها، ولا هو متفق عليه أنه يأسرها ويسجنها، وإنما من الممكن القول بأن عدم فهم الأصل للأصولية، وإن كان منتجها، وعدم فهم الأصولية للأصل، وإن كانت هي نتاجه، يؤدي إلى سجن الواحد للآخر ومنعه من التطور والتقدم والخلق والإبداع والبناء والفعل، فيصبح بذلك الأصل أسيراً للأصولية وهي أسيرة له.
إن ذاتنا تظهر أمامنا في كل مرة، وهي تحجب عنا ماهيتها وجوهرها، إنها تظهر أنويتها وأنانيتها وتحجب إياها وجوهرها. ولا يمكن انكشافها وظهور حقيقتها إلا بسقوط الحجاب الحاجب لها، ولا يكون ذلك إلا بإرادة الوعي، لضرورات حريتنا ومساواتنا وعدالتنا وإنسانيتنا وحقنا في الحياة، بانسجام وارتقاء، وكرامة، ذلك أن الذات لا تتكشف إلا بصفتها إرادة موضوعية تعي أهمية وجودها وفاعليتها.
إن وعي الذات لذاتها والأصل لأصليته وأصوليته، وعياً معرفياً وعلمياً ونقدياً وفهمياً وموضوعياً وعملياً، يجعل من المستبعد ولوج أحدهما تحت سلطة الآخر، وسلطة من يتسلّط عليه بإكراهاته وشروطه وقمعه وتوهيماته وحجبه، وينشأ بذلك ممارسة التبادل التطوري والمعرفي والتغييري والإبداعي، بما يدفع إلى كل الأعمال الإبداعية والإنشائية والتأثير والتأثر من دون وصاية أو حجب.
بمعنى آخر إن هذا الوعي يجعل ذاتنا متحررة من سلطة الآخر ووطأته واختراقه ووصايته وتحكمه بها وبخياراته يجعلها ذاتاً مدركة عارفة؛ ويفرض عليها تغيير موضوعها لتصبح هي الموضوع والذات معاً.
عندئذ يمكن القول بإمكان إطلاق خطاب آخر، خطاب مبني على موضوع هو الذات، المدركة حقيقة واقعها وشروط هذه الحقيقة، ومتطلباتها، العارفة كيف تعمل لبناء مستقبلها بالتعاون مع الآخر، والاستفادة من تجاربه وتجاربها، أو بمواجهته وممانعته «ذات قادرة على الحياة والتعامل مع الآخر من منطق التوازن الذي يحفظ هويتها، ويقدم لها أرضاً تتجذر فيها وتنمو فوقها، عندها يمكن لهذه الذات أن تأخذ وتعطي وتحدد مشروع مستقبلها»[5].
هنا بإمكان الذات أن تطلق خطاباً يخصها دون ضغوط وإحراج وإملاء وتنصيص، خطاباً يعبّر عن وعيها وفهمها للواقع وضرورة تطويره، وإنمائه وتحسينه بما يتلاءم وتطلعاتها.

الصفحات