أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

5 ـ احتجاب الذات وابتداع الآخر

احتجاب الذات وابتداع الآخر، الأول تنتج الثانية، والثانية تكرس الأولى، وتعيد إنتاجها والسيطرة عليها، فاحتجاب الشيء عن نفسه يؤدي إلى بروز شيء آخر إلى نفسه. والآخر هذا يعمل على تسليط أفكار وأوهام ومفاهيم وزعزعة الثقة، وجعل البديل حاضراً، ليصبح المقياس والمتشبه به.
أيضاً، حين يحتجب الشيء يظهر في اللحظة نفسها ويترافق الظهور مع انحجاب الأصل، وهكذا يدوم الشيء بوصفه ظهوراً وانحجاباً في آن، وانحجاب الأصل يعني انحجاب العلة، وهذا يعني انحجاب الشيء عن ذاته بما يسمح ببروز الآخر. وهذا يؤدي إلى احتجاب أصل الشيء وهو شرط الإمكان، وعلة وجوده، إذ العلة هي الأصل، واحتجاب الأصل يعني عدم إدراك الشيء بذاته ولذاته، ويتيح بروز الآخر إعادة الإنتاج والتأصيل، ويعني ذلك الإمساك بالذات وجعلها مرهونة بالسبيل الآخر الذي يعطيها وجوداً آخر له دلالاته. فلا يعود ظهور الشيء ظهوراً بذاته ومظهراً لغيره، أي إنه لم يعد موجوداً حقيقياً جوهرياً، فالوجود الحقيقي ظاهر بذاته، بجميع أنحاء الظهور ومظهر لغيره وبه تظهر الماهيات وبه ومعه وفيه[8]، فلا يعود يعرف إلا بما هو عليه، فتصبح حقيقته غير مألوفة لاحتجابها التام، ويصبح المألوف ما يظهر منه وفيه، أي ما يظهر من تجلي الآخر فيه.
ويؤدي احتجاب الذات بهذا المعنى، إلى ابتداع الآخر فلا نعود ندركها إلاّ من خلال تجلي الآخر وانعكاسه بها، ولكن هذا لا يعني زوالها، بل هي موجودة من تلقاء ذاتها وبذاتها، فالوجود هو الأظهر بذاته من تلقاء ذاته، وهو يصدر عن الجاعل ولا يختفي إلا بامتناع الجاعل عن إظهاره، مثل وقوع الأضواء على القوابل وانعكاس الظلال، لكننا لا ندرك منه إلا الأشد ظهوراً بالنسبة إلينا، وبهذا فإن انحجاب الذات بذاتها وعنا، وظهور الآخر فيها يجعلنا لا ندرك إلا صورة الآخر الظاهر لنا، وبذلك تنحجب عنا حقيقتها الموجودة.
هكذا هي ذاتنا العربية، تظهر وراء حجاب، وراء تجلي الآخر فيها، الذي يحاول طبعها بصورته، وانكشافها مجدداً وظهور حقيقتها وذاتها، لا يحصل إلا بسقوط الحاجب الذي لا يكون إلا بإرادة الوعي، وهذا يعني النظر والتأمل لذاتنا على نحو ما، وجعلها موضوعاً للنظر والفحص والتأمل والتفكير، وبهذا فإننا نلتحم بها، ونعود إليها للكشف عنها وإعادة الكشف هي بمثابة إعادة بناء الذات واستنهاض الوعي.
والتفكير في ذاتنا يكون بموازاة قراءة تاريخها المخصوص وعدم التفكير في الذات هو إغفال للتاريخ وإنكار له، وإنكار التاريخ خروج منه ومن زمنه وفعله الحضاري والثقافي.
ومن ينكر التاريخ ينكره المستقبل ويلفظه، ويجعله باحثاً في تاريخ الآخر، وثقافته، مكرساً نفسه لإعادة إنتاج نصه من أجل إيجاد مفصل يجعل من تاريخه ملحقاً بالتاريخ الشمولي العام.
وإدراك الذات لذاتها ليس سهلاً، مثلما، يصعب إلى حد الاستحالة إن لم يكن مستحيلاً إدراك العقل لنفسه. إذ إن نظر العقل في نفسه ضرب من التأمل والتوهم والحدس والتخيل، ونظر الذات في ذاتها يُعَدّ أيضاً، تأملاً ووهماً وحدساً وتخيّلاً، لأنه لا يدرك حقيقة الموجود إلا في إدراك جاعله، ولا يدرك الجاعل إلا في إدراك ماهيته، وهنا المشكلة أو السؤال، كيف تدرك ماهية الجاعل للذات؟ أي ماهية الخالق، نحن لا ندرك الخالق إلاّ بالتأمل، والتأمل يأتي بالحدس، والحدس مرتبط بالتخيل، والتخيل لا يؤدي إلى الوعي بجوهره، فنصبح أمام ضرورة تقديم البرهان والحاجة إليه بالعودة إلى استقراء النصوص وتصفح وقائع التاريخ، فنقيم الأدلة ونسوق الحجج.
أو أننا نسوق أنفسنا إلى التوحد مع الخالق لنشعر به حضوراً في وعينا لذاتنا، وهنا سؤال آخر، كيف يحصل أن نسوق أنفسنا إلى التوحد مع الخالق؟
إذاً نحن أمام أكثر من مشكلة، منها ما يتمثل في مسألة إدراك الذات لذاتها، وهذه تجدر بنا أن نحاول التفكير فيها بموازاة قراءة تاريخها واستحضارها ووضعها على طاولة البحث. إذ إن أغفال هذا الأمر يجعلها تظن أن لذاتها شأناً متعالياً فوق البحث والدراسة ولا متعالي إلا المتنزه والمتنزه هو اللَّه، وذاتنا قابلة للحدوث والفيضان والتولد وهي بذلك قابلة للاستعادة والبحث والدراسة. وهذا بالتحديد ما يجعلنا أو ينبغي أن يجعلنا وبعد أن حققنا الانتصار على إسرائيل في العام 2000م وانسحبت من لبنان وبعد انتصار تموز 2006م. وبعد انتصار غزة 2008م وبعد نجاح الثورة التونسية والثورة المصرية بتخطي أولى العقبات وهي خلع الرؤوساء مبارك وزين العابدين بن علي، وبعدما سيأتي أن نقف لنقرأ بتمعن وتفكّر سورة النصر في القرآن الكريم(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[9].
إن تصور الذات متعالية يؤدي بها إلى الحجب والغياب والاختفاء وراء معتقدات وأوهام لا تقرب الواقع، تؤدي إلى احتجابها عن ذاتها، والوقوع في الارتباك وعدم الاستقرار، لتعيش على الوهم وعدم الثقة والبحث عن البديل، بما يؤدي إلى ابتداع الآخر فيها.

الصفحات