أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

4 ـ وعي الآخر

إن مسألة وعي الآخر تصبح حاضرة بمجرد وعي الذات لذاتها، إذ إن تغيير الذات لموضوعها لتصبح هي الموضوع والذات في آن، يجعلها ذاتاً متحررة من وطأة الآخر، وبذلك يصبح الآخر، أيضاً، موضوعاً بذاته وتتعامل معه على هذا الأساس.
بهذا نصبح أمام فكّ ارتباط، وتتحول علاقة الذات بالآخر، إلى علاقة وعي ومعرفة، وتبادل وتثاقف وتحاور، لا سلطة فيها للذات على الآخر، أو للآخر على الذات.
إن هذا الوعي لا يتحقق إلا بإرادة الوعي عند الذات، وبالتالي بصوغ الموقف المناسب الذي يؤدي إلى إلغاء الارتباك الواقعة فيه حين تعاملها مع ذاتها ومع الآخر.
وبدون إرادة الوعي ليس بالإمكان تحقيق وعي الذات للآخر وتبقى على ما هي عليه من شلل ناتج مما تعانيه، وهذا ما كان جلياً وواضحاً في ذاتنا العربية، التي وقعت في فخ النظام العربي منذ عدة عقود، وباتت أسيرة الشلل والارتباك، غير قادرة على الظهور بعيداً عن الوهم والتخيل المتلازمين مع انعدام الثقة.
لقد أكد الحراك العربي الذي قاده الشبان بدءاً من كانون الثاني 2011م، أن إرادة الوعي وتظهيره وإعلان الموقف المنسجم مع هذا الوعي وتجسيده يحرر الذات المرتبكة من كل قيودها ويعطيها مساحة للتحرك واستعادة الثقة. قبل الثورتين التونسية والمصرية بداية 2011م، وباستثناء ما كان من المقاومة في لبنان وفلسطين والممانعة والصمود في سوريا كانت الذات العربية مقيدة، بقيود السلطان، سلطان الحاكم المحتاج إلى الدعم الأميركي لتثبيت حكمه وبقائه والمستعد لتقديم كل شيء من أجل ذلك، وسلطان المحكوم الذي جرى توهيمه وعُمل على تجهيله وإفقاره في آن، وجعله خارج التاريخ.
وفي تقديمه كتاب «مجتمع اللادولة» يرى محمد حسين دكروب «أن إرادة التغيير عند الذات هي أمام خيارين: إما أن تلتحق هذه الإرادة إيجابياً عبر انخراطها العضوي في الثقافة التي يختزنها المجتمع الأهلي بالنص الأهلي بتواصله مع التاريخ...، وإما أن تحجب هذه الإرادة عن فعل الانخراط لما يفرضه على الذات من تخلٍ عن الهوس السلطوي، الكامن بداخلها، مكرسة بالتالي جهدها الأقصى في البحث داخل «مزبلة التاريخ الأوروبيّ»[6].
مع أن دكروب يرغب في عودة الذات إلى الثقافة العربية التي يختزنها المجتمع الأهلي بالنص المحلي المتواصل، مع التاريخ، غير أنه يغفل عن قصد أو غير قصد أن العودة الكلاسيكية والتراثية التقليدية، تجعل الذات مسجونة في إطار تاريخي تراثي وتوارثي، وهذا ما يدعونا إلى القول إن العودة يجب أن تكون عودة إلى وعي الذات ووعي الآخر، وليس رفضه وإجراء القطيعة معه، وعي الواقع بموضوعية والتعامل معه.
يتضح من التجربة العربية المعاصرة التي استمرت على الأقل حتى حدود العام 2000م. بدءاً بتحقيق الانتصارات الفعلية للمقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية على إسرائيل وبلوغ ذروة الانتصارات في حرب تموز 2006م. وفي حرب غزة 2008م. إن الذات العربية عانت عدم وعي ذاتها، والتحاقها اللاواعي بالتاريخ وبالآخر. بما جعلها فريسة سهلة للغرب المتسلط الذي قبض على نفط الخليج بقواعده العسكرية فيه، واحتل العراق وأسس محوراً عربياً مهادناً وموافقاً على مشروع الصلح مع إسرائيل، وكذلك فقد باتت أيضاً، فريسة سهلة لأفكار ومواقف وخطابات، التحقت بها أو أقامت القطيعة معها، مثلما جاء في خطاب حسن حنفي، الذي فصل على نحو قاطع بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية[7]، ومثلما فعل بعض الذين خاضوا ضد كل شيء باسم الإسلام وبعض طوائفه ومذاهبه، وهذا ما كان يؤدي إلى الانغلاق على الذات والوقوع في وهم الأنا.
غاب عن هؤلاء أن الحضارات بقدر ما تتنافى وتتعارض فهي تتراسل وتتفاعل وتتواصل وتتبادل، ولكن تواصلها هذا إذا لم ينشأ عن فعل الوعي الواحد للآخر يبقى محفوفاً بالأخطار، وإن عدم الوعي يؤدي إلى تسلط حضارة على أخرى، وفرض هيمنتها عليها، والعمل على إلغائها مثلما حصل مع الهنود الحمر في أميركا.
ما نحاول الوصول إليه هو وعي الذات لذاتها ووعي الذات للآخر، وهذا يتطلب عودة إلى الذات وفهمها ومعرفتها، وبدون ذلك تبقى الذات مرتبكة واقعة في فخ الحجب والاستبعاد والاستعباد، وهذا ما ينبغي وعيه عربياً لاستكمال خطوات شبان تونس ومصر والمقاومين في لبنان وفلسطين.

الصفحات