أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

2 ـ الوعي الممكن والوعي المقبول

إن وهم التمايز المستند إلى رؤية واعتقاد أو المستوحى من تصور للذات والآخر، يضع الفرد أمام ضرورة البحث عن ذاته في الواقع المعيش، الذي يتيح عادة إمكانيات التفاعل والتبادل والاندماج والتواصل والتثاقف... إلخ. وبالضرورة فإن الفرد مهما كانت ثقافته أو الاعتقاد الذي يرتبط به أو يميل إليه، فإنه يتجه عادة نحو تحقيق الذات بطريقة من الطرائق، وهذا ما يعتبر بداهة.
«لقد اعتقد يونغ أن الإنسان مهما كانت ثقافته التي ينتمي إليها، ينحو نحو تحقيق الذات»[4]. ولكن بأية وسيلة تتحقق الذات؟ وهل يوفّر ذلك وعياً للفرد عن ذاته وعن الآخر؟
يبدو لنا أن تحقيق الذات هنا، هو من قبيل الوعي الذي يحققه الفرد في إطار الجماعة وفي ظل الظروف التي يعيشها، إذ يتمكن من معرفة المحيط وتحديد مكانته ودوره فيه أو يعمل على منحه واكتسابه دوراً ومكانة، وبذلك يتحقق لديه وعي أو جزء من وعي الانتماء إلى الجماعة ووعي أو جزء من وعي لذاته، وفي هذه الحال يكون الفرد أمام أمر من أمرين: إما أن يقبل بما هو قائم أو بما وصل إليه ويصبح وعيه لذاته ولجماعته وللآخر مقبولاً لديه، بقبوله ضمن الجماعة.
وإما أن يرفض الواقع مع وعيه له، ويمارس بخلاف ما ينبغي أو يطلب منه اجتماعياً وثقافياً، وبذلك يصبح وعيه لذاته وللواقع المجتمعي غير مقبول، وفي الحالين فهو أمام وعي ممكن، تمكن من خلال المدة التي قضاها داخل الجماعة. ويتحول إلى وعي غير ممكن للواقع المجتمعي حين مغادرته جسدياً أو فكرياً أو نفسياً للجماعة، وبذلك تصبح مواقفه منها غير مستندة إلى وعيه لها بل هي مستندة إلى أمور أخرى.
يؤدي وعي الأفراد لأهمية انتمائهم إلى الجماعة عادة إلى اتساقها أكثر، ذلك أن الأدوار الموزعة على الأعضاء والوظائف التي يتولونها ستدار بفعالية أكثر، وهذا ما يعطيها أهميتها الاجتماعية والثقافية، ويجعلها مساهمة في عمليات التغيير والتطور الحضاري والاجتماعي.
وإذا كان الانتماء إلى الجماعة يتحدد عموماً في ثلاث مسائل:
1 ـ أن يكون الفرد منتسباً عضوياً وفكرياً وثقافياً، ومرتبطاً بالنص الأهلي المحلي.
2 ـ أن يكون لديه الاستعداد الكامل للقيام بدوره الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين.
3 ـ أن يثق بالمعايير الاجتماعية التي يشترك فيها ضمن الجماعة الواحدة، وينخرط في منظومة تلقي وانصياع لمجموعة المبادئ والقِيم والتقاليد والأعراف السائدة.
فإن الاتصال والتواصل اللذين ينشآن بين الأفراد داخل الجماعة بفعل هذا الانتماء، وبينهم وبين الجماعة، يتيحان للاتجاهات الفكرية والثقافية والدينية والرؤى أن تصبح معروفة ومفهومة أكثر، وهذا ما يسهل تحديد الاستجابات المختلفة بوضوح أكبر، ويؤدي بالتالي إلى التفاعل والنمو والتعرّف إلى كثير مما لدى الأفراد والجماعات، بما يساهم في ازدياد عمليات الترابط والاتساق داخل الجماعة، وتركيز القِيم الأعراف وتقوية النص المحلي.
تؤدي الثقافة في هذه العملية دوراً أساساً وتسهم بفعالية في أعمال التغيير الاجتماعي وتطور العادات والتقاليد والقِيم والأعراف السائدة وبلورة الوعي في مستوى الممكن والمقبول، ونعني بالثقافة هنا، تلك المشتركات المركبة من الاجتماعي والديني والسياسي...، والمعبر عنها في الطقوس والعادات والتقاليد والأعراف وفي الممارسات والسلوك في دورة الحياة اليومية للأفراد والجماعات.
هنا تفريق بين الثقافي الآحاديّ المفهوم والمنشأ والعقيدة والاتجاه والثقافي الأكثر إمكانية للاستجابة للطروحات المتنوعة والمتعددة ولكل محاور ومناقش وما غير أو مختلف.
يمارس الثقافي الآحادي المفهوم عادة في الاجتماعي والديني والسياسي في إطار الوحدة الاجتماعية الضيقة. مثل القبيلة أو العشيرة أو الفخذ، وتتوزع فيها الوظائف والأدوار وفقاً لقاعدة آحادية أبوية وعادة تنقل السلطة وراثياً أيضاً، وتضيق معها حدود المعرفة والمعرفة بالغير أو التعرُّف إليه، وتمارس ضمنها الأفكار بعيداً عن التحاور والتعارف والتماهي.
فيما يمارس الثقافي الأكثر إمكانية، أعمال التعارف والتثاقف والتفاكر والتماهي والحوار والاندماج وأداء الواجبات وقبول الحقوق في موازاة الممارسات الطقوسية والعبادية.
دلالياً نقصد بالثقافي الآحادي، المنتمي إلى مجال واحد وحيد مقصور على بنية ثقافية آحادية، وبنية اجتماعية آحادية، وأنه بهذا يرغب في أن يكون لاعباً في الاجتماعي والسياسي والاقتصادي... إلخ، وفق رؤيته ومفهومه أما الثقافي الأكثر إمكانية فهو الرغبة في الاندماج وتأدية الأدوار وفق أسس التعارف والتبادل والقبول.
والانتقال من الثقافي الآحادي إلى الثقافي الأكثر إمكانية، سلوكياً، يعادل فلسفياً الانتقال من الجزئي إلى الكلي، ومن وعي إلى وعي أوسع وأشمل، ومن إمكان إلى إمكان أكثر قبولاً وقبولاً أكثر إمكاناً.

الصفحات